عيد المدرسة... بأية حال عدت ياعيد بإفران؟
البوابة الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد
كتبه: كمال عياشي/زاوية واد إفران
التفكير في افتتاح الموسم الدراسي للتلميذ بيوم احتفالي سمي بيوم عيد هو تفكير أخلاقي يجب أن تكون نواياه حسنة، ولابد أن يكون عيدا بالمعنى الحقيقي لما تحمله هذه التسمية في مخيالنا الاجتماعي من معنى نكن لها كل التقدير والاحترام، فهو يوم لابد من احترام قدسيته التي يجب أن يمتثل لها الكبار والصغار وينخرط الجميع في تجسيد كل الطقوس والسلوكيات التي لا يمكن أن تكون إلا تأسيسا لعمل تربوي فعال وناجع ينطلق من مبدأ التكافؤ والمساواة نحو جعل عملنا التربوي نواة كل نهضة اجتماعية واقتصادية وثقافية كما نقر بذلك في جميع خطاباتنا الرسمية وغيرها، والتي لا يمكن أن تمر إلا عبر حشد كل الإمكانات البشرية، لهذا فإن الإجماع المجتمعي يوجب علينا الإيمان بجعل تعليم أبنائنا بدون استثناء في قلب أي مشروع تنموي يريد المغرب القيام به.
وهكذا فقداسة هذا العيد يجب أن تفرض علينا التصالح مع ذواتنا والقطع مع دابر كل الممارسات التي لا تدخل مدرستنا إلا في مصاف الأسوأ على الدوام، قداسة تجعل الجميع كل من موقعه ينتفض ويثور في وجه هذا القدر الذي أصبح يغدو محتوما علينا وبدأنا نسلم ونتكيف للتعايش مع مخلفاته، قداسة تجعلنا نتأكد أن المتحكم في التعليم هو البعد التربوي والأخلاقي الذي لا يستبعد تحت ضغط خطط بعض الإداريين الذين لا يؤمنون إلا بلغة الأرقام بعيدا عن العلمية التي لا يمكن للفعل التربوي أن يستقيم دونها.
على العموم و نظرا للعلاقة النظامية التي جعلت المعلم ينفذ كل المقررات التي تملى عليه تم الاحتفال بمدرستنا(زاوية واد إفران) بهذا العيد رغم أن الاجتماعات الأولية لمناقشة الدخول المدرسي وخصوصا المتعلقة بالبنيات التي يصطلح عليها بالتربوية والتي تجعل من المتعلمين مجرد أرقام جامدة، ولا تعبأ بكل التنظيرات العلمية للفعل التربوي وكل ما يهمها هو التواضعات والتوافقات من أجل تدبير كمي له، توضح أنه بدل الاحتفال لابد من البكاء على أطلال شيء يسمى المدرسة... وانطلق الاحتفال بعد حضور الأطفال في حلل جديدة والتي أترك لكم أن تتوقعوا كيف لفقرهم أن يسمح بحصولهم على الثياب الجديدة ؟؟ بعد عطلة لم يقضوها في شواطئ البحار خارج أو داخل ارض الوطن أو تحت الظلال الوارفة لأشجار الجبال المغربية والتي تحيط ببحيرات يؤمها الزوار والتي لا تبعد عنهم إلا بكيلومترات، بل قضوها في العمل والأشغال الشاقة التي يفرضها واقعهم الهش من المساعدة في جمع المحصول الزراعي إلى رعي المواشي وجمع الحطب وكنس الاصطبلات....
وهكذا وبعدما رددت هذه البراءة المنسية النشيد الوطني بعزم منقطع النظير وبعده أناشيد لا يمكن إلا أن تزيد من ثقل همّ المعلم كتلك القصيدة لعلي الصقلي بعنوان كلنا أمل و التي صدحت معها حناجر بعضهم بترديد:
نحن طلائع المنــــــى نحن مصابيح السنـــا
الغرس نحن و الجنى و العيش قد طاب بنا
شعارنا إلى العمل هيا فكلنا أمـــــــــــــــل
لا نستهين لا نمل حتى نرى القصد اكتمل
اليوم سعي و غدا لن يذهب السعي ســـــــــدى
نحن طلبنا السؤددا و العلم طاب مقصـــــــــــدا
أمل لا يمكن إلا أن يثقل جسد المعلم المنهك الذي يعيش معاناة هؤلاء القرويين الذين أسمي تمدرسهم بالأسطورة( مقال أسطورة تمدرس الطفل القروي، جريدة الاتحاد الاشتراكي)، لكن رسائل هؤلاء الأطفال ستتضح بترديد البعض منهم لبعض أبيات قصيدة أخرى لمعروف الرصافي بعنوان" أبناء المدارس" بتحميل المسؤولية لكل من هو مسؤول عن مستقبلهم لنيل تعليم على غرار أقرانهم وتجاوز هذا التعامل الكمي معهم والاستمرار في اعتبارهم أرقام تفرض عليهم التمدرس في أقسام متعددة المستويات تكلف خزينة الدولة ليس إلا، و هو نداء يمكن فهمه من هذه الأبيات أيضا :
كفى بالعلم في الظلمات نورا يبيّن في الحياة لنا الأمورا
فكم وجد الذليل به اعتزازا و كم لبس به الحزين سرورا
انه نداء لاحترام إنسانيتهم التي لا تصل إلى أسمى ما يجب أن تكون عليه إلا بالعلم الكفيل بحفظ كرامتهم في هذه الحياة، و أن لا شيء قد يسعدهم غيره، كما أن رسائل أخرى يمكن فهمها من الأبيات الأخرى إذ يمكن إجمالها بكون أي مجتمع بدون مدرسة برامجها ومناهجها فعالة وناجعة و خططها الإستراتيجية في بناء التنمية غير محكمة معرض في أي وقت لمغامرة غير محسوبة النتائج و ضريبتها ستكون ذات الوقع المدوي على الجميع و نذكر من هذه الأبيات:
إذا ما عقُّ موطنهم أناسٌ و لم يبنوا به للعلــــــــم دورا
فان ثيابهم أكفان موتــى و ليس بيوتهم إلا قبـــــــــورا
و حُقّ لمثلهم في العيش ضنك و إن يدعوا بدنياهم ثبــــــــورا
أرى لُبّ العلا أدبا و علما بغيرهما العلا أمست قشــــورا
أكيد انه لابد من طمأنة بعض الإداريين الذين لربما لا يعرفون مصدر هذه القصائد نظرا لقلة أو انعدام احتكاكهم بكل ما هو تربوي و التعرف على القيم التي تحملها المناهج التربوية و التي يجب أن تؤخذ كأولوية على تخطيطاتهم الكمية، وقد يتهمون المُعلّم بإدخالها من خارج المقرر علّ الحظ يسعفهم لمعاقبته ، و لكنها نصوص مقررة في الكتب المدرسية ويحاول المعلم أن يجعلها من النصوص المردّدة خلال الأنشطة الصباحية لما تحمله من قيم ايجابية قد تكون أساسا لبناء شخصية مواطن حقيقي تحدوه جذوة الشوق للعلم والانخراط بفعالية في الاجتهاد الجماعي لبلادنا.
و لكن إذا عرفنا فقط حال تمدرس بعض الأطفال بالعالم القروي بنيابة إفران (أربع مستويات فما فوق) في نفس القسم دون التساؤل عن مسائل أخرى تتعلق بكل ما له صلة بتوفير ابسط الشروط لتوفير حياة مدرسية تنبض بالحياة، ألا يحق لنا طرح الأسئلة التالية:
هل يحق لهؤلاء الأطفال دستوريا أن يتمدرسوا كباقي أقرانهم أم لا؟
هل هؤلاء الأطفال القرويون غرس و جني كما نعلمهم، وأنهم جزء لابد منه لاكتمال الرأسمال البشري آم لا؟
هل من تنظيرات علمية للمسؤولين بهذه النيابة للتعامل مع هذه الظاهرة كخطط علمية محكمة للتوفيق بين المقررات الأربع أو الخمس مع احترام المبادئ التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية (كالنظريتين البنائية والمعرفية مثلا-التدرج والاستمرارية- الإيقاعات الزمنية...) المعتمدة في منظومتنا؟
هل للعالم القروي من أهمية أم أن طريقة تمدرس أبناهم قد تكون مدخلا حقيقيا لتهجيرهم؟
وهل من تشريعات قانونية لتنظيم الظاهرة أم أن الأمر يعود لمزاجية التدبيرات الإدارية التي لا تهتم إلا بالتقارير التي حرر وهي مخالفة للواقع في اغلب الظن؟
إذا كان الأستاذ أن يقضي موسما دراسيا كموظف شبح كما وقع خلال الموسم الماضي ويكلف بالدعم؟؟؟ لتلامذة في ظروف تمدرس أحسن بالمجال الحضري بينما يتمدرس آخرون في قسم بمستويات متعددة، فهل أجرة الفائضين الذين كان عددهم مهما تؤديها الدولة لخدمة المواطن أم لأشياء أخرى تتم تحت ذريعة دروس الدعم؟
هل هناك خصاص في الموارد كقدر يتحتم على الطفل القروي وحده على الدوام دفع ثمنه لإعادة إنتاج جهل و فقر وسطه أم أن المشكل في التدبير و الترشيد؟
وكم تكلف الأمية بدل تكاليف تعليم الطفل القروي في نظر من يحكم على الطفل القروي بالتمدرس في مثل هذه الظروف؟
ألن تكون ثيابنا أكفان نحملها على أبداننا الميتة وتصبح بيوتنا التي تخيم عليها عتمة الامية قبورا كما نعلم أبناءنا بحثهم على التحصيل العلمي الجاد؟
و ما ذنب هذا الطفل هل لأنه مواطن قروي يتحتم عليه تحمل وأد أحلامه قبل ميلاده؟
إن المقدمات الفاسدة تعطي النتائج الفاسدة وبهذا يتوجب الحسم اليوم ما إذا كنا نريد تعليم الطفل القروي بجدية أم لا؟ لأن أسطورة ووهم تمدرسه تجعل منه إنسانا مثقلا بهموم التناقضات التي يخلقها له واقعه و طموحه و بمجرد الهجرة الحتمية إلى المدينة يكتشف كل المهانة و الذل و الاحتقار التي كانت عنوان حياته طوال سنوات التمدرس التي قضاها في القرى آنذاك يدفع المجتمع برمته ثمن وعيه الشقي، وهكذا فالمسؤولون يتوجب عليهم فهم مسلّمة أساسية و هي أن المدرسة أينما كانت في الجبال أو السفوح، في القرى أو المدن .... يبقى عنوانها المدرسة المغربية التي تعامل الجميع على قدم من المساواة أولا، وأن رسالتها الجسيمة أمام ضعف باقي وكلاء التنشئة الاجتماعية (الأسرة، الإعلام...) تتجلى في تمرير القيم كمدخل أصبح اليوم أساسيا لضبط منحى الحياة البشرية والرفع من خلالها من جودة الحياة وجعلها الأنزيم الذي يحفظ التوازن الاجتماعي بالعمل على توطيد الرابط الاجتماعي كاسمنت حقيقي يساعد على بناء المعنى الحقيقي للمواطنة الحقة والذي يبتدئ بضمان حق التعليم والتعلم بطرق فعالة وناجعة وبتكافؤ للفرص بين كل مكونات هديتنا الديموغرافية التي لا قوة مستقبلية لنا إلا بتعلمها بطريقة صحيحة، وهذا لن يتم بالتجنٌّد الشكلي للاحتفال بعيد نخرق قداسته منذ الساعات الأولى لبداية الاحتفال به بل يحتاج إلى سمو كل ما هو تربوي على ما هو تقني إداري.