الصفحات

الخميس، 26 مايو 2011




قلـــــــــيل من العـــــبث

 ( تأملات حالمة في الواقع اللعـين)





بقلــــــم //هشــــام البشـــــــار 

يقول منظرو الفلسفة إن للعبث دورا كبيرا في بناء الذات العارفة ، فكم من عابث أصبح ذا شأن ، و كم من معتوه اقتحم التاريخ من أوسع أبوابه ، فمثلما يعبر الضحك في كثير من الأحيان عن شيء من الفرح ، فإنه في أحايـين أخرى يعبر عن أعمق متاهات الحزن داخل النفس ، لذا، قررت أن أقـترف مجموعة من المشاهد الورقية العابثة ، علني أعثر بمحض الصدفة عن قليل من الجد الضاحك ، وبما أن العابثين بالفلسفة يدعون باطلا أن الخيال جزء من الواقع الافتراضي الغارق في العبث ، فمن العبث أن أرتدي عباءة هذا الواقع ، و إذا افترضنا جدلا أو لنقــل عبثا ً ، أن ذاك الخيال ليس مجرد قليل من الأفكار الحالمة بمستقبل لا يشوبه الكثير من العبث ، فليس من حقنا أن نتجشم عناء التميــيز بين ما هو خيال و ماهو واقع ، ولو أن الواقع في نظر الحالمين مثلي ليس سوى حفنة من الخيال ....
فهــــاكم هذه المشاهد العبثية الأربعة...( إنها تأملات عابثة بالزمان و المكان ، شخوصها عبثيون ، وأحداثها عبث في عبث ، تعترف بما يسمى خيالا ، لكنها تــتنكر للواقع) .
المشهـــــد الأول:
يسطو الصحفي في غفلة من الرقابة و الزمن على خبـــر سمين، لكن شيئا من العبث يطوف حوله ، يقرر الصحفي أن يستثمر هذا العبث ، فيغير على حين غرة على مصدر هذا العبث ، فيشهر مسدسه ، عفوا أقصد بطاقته المخططة بألوان البوليس ، فيبدأ العبث ....، يتقاضى الصحفي أتعاب سطوه، وينصرف مزهوا..../ في الحانة، يلتــــقي باقي العابثين من رفاق السوء، ليستمر العبث إلى مطلع الفجــــر...
المشهد الثانـــــــــي :
حدثني أحد الشعراء الجدد عن مشروعه المبتكر قائلا :
" قررت يا صديقي أن أؤسس صيدلية شعرية " قبل أن أستفهم عبث هذه الفكرة ، طفق الشاعر يحاضر شارحا ًفي عبث : " ما على اللذين هجرتهم زوجاتهم مللا ً و الذين أصابهم شجن هذا الزمن اللعين أو حتى اللذين أبت دموعهم أن تهاجر مآقيهم ، ما عليهم جميعا إلا أن يتصلوا بي ، فأنا عاكف على نظم بعض القصائد العبثية الكفيلة بالتخفيف من وطأة عبثهم  ...
المشهد الثـــــالث:
حينما اختلى عاشق بعشيقته، قرر (قبل أن يعبث بمشاعرها ) العبث  بمعنوياته بقليل من النبيذ الأبيض... في الصباح / وجد جثـة يشوبها العبث، نظف المكان و انصرف...في طريقه بدأ يكلم نفسه: " منذ متى لم أر وجه حبيبتي ؟".
المشهد الأخيــــر:
قرر حمار مقهور، من ضحايا العبث ،  أن يرد الاعتبار لبني جلدته ، فطفق يقول : ( إذا ما ثأرت لنفسي من القرد الذي أهانني و عبث بمشاعر سلالتي ، فلا بد أن أصبح مشهورا مثل الوزير ) ...استأجر الحمار موزة وذهب بها إلى القرد الذي كان منشغلا بالعبث ، ليقدمها له  كرشوة مقابل الحصول على لقاء تعارف و ود معه ، استحسن القرد مبادرة الحمار العابث وثمّـــــنها ولو أنه اشتمّ في الأمر رائحة الخيانة وتذوق طعم العبث ، لكنه قال : ( ليس هذا سوى حمار عابث ، أرى أنه صادق ...والهدية تناسب مستواي المرموق )، ذهب الحمار بالقرد العابث في نزهة، إلى أن سلمه يدا ً بيد إلى أسد يتضور جوعا، كان يدين له الحمار بحياته مقابل جسد قرد مراهق و عابث....
لم يسلم الصحافي  و لا الشاعر ولا العاشق من قانون العبث....إلا أن الحمار استطاع أن يضع لاسمه مكانا في قائمة العظماء... إنه قانون العبث .
لست متأكدا من سلامة أفكار المنظرين الفلاسفة في شأن دور العبث في بناء الذات العارفة ، لكني متأكد أن الواقع هو الذي يصنع العبث وليس العكس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق