الصفحات

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012


وجهة نظر//
التعليم العمومي، ومعالجة الأزمة(2):
محمد الحنفي
إلــــــــــى:
ـ نساء، ورجال التعليم، العاملات، والعاملين في التعليم العمومي، المخلصات، والمخلصين في أداء رسالتهم، الحريصات، والحريصين الحريصين على تطوير أدائهم.
ـ التلميذات، والتلاميذ، الصامدات، والصامدين في إعطاء أهمية لدراستهم في التعليم العمومي، من أجل إعطاء وجه مشرف لهذا التعليم في المغرب.
ـ الأمهات، والآباء، والأولياء، والإدارة التربوية، والمراقبة التربوية، الحريصات، والحريصين جميعا، على إنجاح العملية التربوية التعليمية التعلمية، في إطار المدرسة العمومية.
                                            محمد الحنفي

إن طرحنا للسؤال السابق: ماذا نعني بالتعليم العمومي؟ يهدف إلى حث الذهن على التفكير في المفهوم، ومحاولة الإجابة على السؤال، مما هو قائم في الواقع. وما هو قائم في الواقع، ليس تعليما ديمقراطيا، ولا شعبيا، على مستوى التقرير، وعلى مستوى التنفيذ، وعلى مستوى الهيكلة، وعلى مستوى التأطير، والبرمجة. فهو تعليم عمومي على مستوى الشكل. أما المضمون، فهو تعليم معد لإنتاج النخب، التي تضع نفسها في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للشعب المغربي. فهو تعليم يحمل صفة العمومية، باعتباره منتوجا للمدرسة العمومية، ومن جهة ثانية، فهو تعليم معد لإفراز نخبة المجتمع، مما يحوله إلى تعليم نخبوي.
وسعيا من الدارسين، ومن العاملين، كذلك، إلى التزاحم من أجل الصيرورة من النخبة، أو من أجل المساهمة في عملية الفرز، فإنه يصعب أن يحمل تعليمنا صفة العمومية لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أن نخبة التلاميذ، تساهم من خلال تلقيها دروسا إضافية، مدفوعة الثمن، تساهم في إفساد التعليم العمومي، وتحويله إلى تعليم طبقي، إلى درجة أن تسميته بالتعليم العمومي الصرف، لم تعد واردة، وما يصلح تسميته به، هو التعليم شبه العمومي، الذي ينحو في اتجاه التخوصص، بطريقة غير مباشرة، وبدون أن يتم الإعلان عنها بصفة رسمية.
والاعتبار الثاني: أن أساتذة التعليم العمومي، لا يجهدون أنفسهم في القيام بمهامهم، وبإخلاص في المدرسة العمومية، مما يجعل ذلك المجهود يدخر لصالح الدروس الخصوصية، أو لصالح العمل في المدرسة الخصوصية، مما ينخر التعليم العمومي، ويقف وراء تدهوره إلى الوراء، إلى درجة تحوله إلى مجرد سجن لأبناء الشعب المغربي، في مرحلة عمرية معينة.
والاعتبار الثالث: ضعف الأداء في المدرسة العمومية، على مستوى الإدارة، وعلى مستوى تدبير الوقت، وعلى مستوى أداء الدروس، وعلى مستوى التواصل مع التلاميذ، وفيما بينهم، ومع الآباء، وعلى مستوى التوجيه المتعلق بالإعداد القبلي، والإعداد البعدي، وما بينهما، وعلى مستوى التقييم التربوي، وعلى مستوى التنقيط. ذلك أن مستوى الأداء في مجمله، يقوم، بدور كبير، في رفع مستوى التعليم، أو في تعميق تدهوره.
والاعتبار الرابع: كون التعليم العمومي، بدون أفق علمي واضح، نظرا لكونه لم يرتبط بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ولم ينبن على اختيارات ديمقراطية شعبية، مما يجعله يخبط خبط عشواء، كما يقولون، ولا يستطيع أن يمدنا بأجيال متحمسة، من أجل بناء الاقتصاد الوطني المتحرر، وتقديم الخدمات الاجتماعية المجانية، المشحونة بالروح الوطنية، وبناء الثقافة الوطنية المتحررة، والتي تمد الأفراد، والمجتمع بالقيم النبيلة، والمتطورة، والهادفة إلى تغيير قيم المجتمع إلى الأحسن، وتنسجم مع طموحات الأجيال المتقدمة، والمتطورة، وتسعى إلى تجاوز الوضع الثقافي المتأزم. وقد كان المفروض أن يبنى التعليم على أساس اختيارات ديمقراطية شعبية، وعلى أساس الربط الجدلي بين التعليم والتنمية، في مظاهرها المختلفة، حتى تتم مساعدة التعليم على تجاوز أزمته.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات، التي أتينا على ذكرها، يتبين لنا أن التعليم في المغرب، ليس تعليما عموميا، بقدر ما هو شبه عمومي، وشبه مخوصص، وظيفته الأساسية هي إنتاج النخبة، التي تصير في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومن يدور في فلكها، وفي خدمة مصالح أجهزة الدولة المخزنية، وفي خدمة مصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، والبورجوازية، وكل من ينهب، ويستغل أبناء الشعب المغربي. وهذه هي مهمة النخبة، المنفرزة عن التعليم شبه العمومي، وشبه الخصوصي. وهو ما يجعل التعليم العمومي، عندنا، غير وارد.
وإذا كان العرف، عندنا، أن نطلق التعليم العمومي، على المنتوج الذي تقدمه المدرسة العمومية المغربية، فإن هذا العرف، أيضا، جعل من التعليم العمومي، مصدرا للإثراء السريع ،كما جعل منه وسيلة لضرب مبدإ تكافؤ الفرص، من خلال تقديم الساعات الإضافية المؤدى عنها، مما يساعد على فرز النخبة، من بين أبناء الطبقات البورجوازية، والإقطاعية، والطبقة الوسطى، ومنها نساء ورجال التعليم، التي تستطيع أن تؤدي قيمة الحصص الإضافية، للذين يشتغلون عليها، في مختلف البيوت، أو في المدارس الخصوصية، أو حتى في المقاهي.
ولذلك، نجد أن العرف غير مؤهل لتحديد مفهوم التعليم العمومي، كما أن الواقع الذي تتميز به المدرسة المغربية، لا يمكن أن يتدخل لتحديد مفهوم التعليم العمومي، كذلك، لصيرورة هذه المدرسة المغربية، مجرد مجال لربط العلاقة ما بين التلاميذ، والأساتذة، في أفق تلقي، وإعطاء الدروس الخصوصية المؤدى عنها، ومن جيوب الآباء، والأمهات، والأولياء.
وانطلاقا مما رأينا حتى الآن، نستطيع أن نقول: إن التعليم العمومي، كما هو متصور، هو منتوج تقوم بأجرأته المدرسة العمومية، التي يرتبط فيها التعليم بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، على أساس احترام مبدإ تكافؤ الفرص، الذي يجب أن يحضر فيه تقديم نفس الحصص، لنفس المستوى التعليمي، دون زيادة، أو نقصان، واجتياز نفس الامتحان، الذي لا يعرف التحيز لأي تلميذ، كما لا يعرف تقديم حصص إضافية مؤدى عنها خارج المدرسة، حتى تبرز القدرات المختلفة على نفس الأسس، ونفس البرنامج، ونفس الحصص، ودون اعتبار لا للمستوى الاقتصادي، ولا للمستوى الاجتماعي، ولا للمستوى الثقافي للتلميذ، أي تلميذ؛ لأن التلاميذ، جميعا، متساوون أمام المدرسة، وأمام الأستاذ، وأمام البرنامج الدراسي، وأمام الحصص المقدمة إليهم جميعا، وأمام الامتحان، من أجل اكتساب المؤهلات المختلفة، ومن أجل إبراز القدرات المختلفة، لإعداد خريجي المدارس المختلفة، للالتحاق بمجال معين، من المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، حتى يصير مساهما في عملية التنمية، وفي شموليتها.
والتعليم العمومي المتصور، كما ذكرناه في الفقرة السابقة، يشترط فيه أن يكون:
1) تعليما ديمقراطيا، ساهم في إعداده جميع المعنيين بالشأن التعليمي، بهيئاتهم المختلفة، من أساتذة، وإداريين، ومفتشين، وآباء، وأولياء، وجماعات محلية، وإقليمية، وجهوية، وغيرها، على مستوى إعداد البرامج، وإعداد الكتب المدرسية، وإعداد البنايات، وغيرها، مما تقتضيه العملية التربوية التعليمية التعلمية، في شموليتها، لجعل التعليم العمومي ،في مستوى الأداء التربوي التعليمي التعلمي.
2) تعليما شعبيا، يستجيب لطموحات الشعب المغربي، ويصير مفتوحا أمام جميع أبناء الشعب المغربي، ودون قيود تذكر، وعلى أساس المساواة فيما بينهم، سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، حتى يتأتى لجميع بنات، وأبناء الشعب المغربي، أن يصرن، وأن يصيروا في مستوى التأهيل، للقيام بعمل معين، في مجال معين، من المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
3) تعليما متفاعلا مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي الوطني، والعربي الإسلامي، والدولي، حتى يصير ذلك التفاعل وسيلة لتطور، وتطوير التعليم في المغرب، كما في غيره من البلدان المتطورة، الهادفة إلى تحرير الإنسان، حتى يصير مبدعا في جميع المجالات، ومن أجل أن يصير تطور التعليم، وسيلة لتطور، وتطوير الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة.
4) تعليما في خدمة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي للشعب المغربي، الذي يعقد كل آماله على تعلم أبنائه، تعليما جيدا، في التعليم العمومي المغربي، الذي استطاع أن يمد الشعب المغربي، بالأطر ذات الكفاءة العالية، بعد الاستقلال مباشرة، بعد أن كان المغرب يعتمد على الأطر المستوردة من الدول الأوروبية، والعربية، والأمريكية، ليعوض بها الخصاص الفادح، الذي كان يعاني منه.
فالتعليم العمومي، إذن، إذا تم الحرص على جودته، وعلى كفاءته، وعلى قدرة أطره على العطاء، يستطيع أن يخدم التنمية، بكل مظاهرها، ولصالح الشعب المغربي.
5) تعليما متطورا، تبعا لتطور العلوم، والآداب، والفنون، والتقنيات الحديثة، التي تقف وراء تطور الواقع، في تجلياته المختلفة، مما ينعكس إيجابا على واقع التعليم، الذي تقتضي الظروف الموضوعية، استفادته من كل مظاهر التطور، لصالح الأجيال الصاعدة، التي سوف تتحمل مسؤولية الاستمرار في تطور الواقع، الذي ينعكس، كذلك، إيجابا على تطور، وتطوير التعليم؛ لأن الواقع إذا كان متطورا باستمرار، فإن التعليم المرتبط به، يجب أن يتطور باستمرار. وإلا، فإنه سوف يصير معيقا لتطور الواقع. وهو ما يجب تجنبه، حتى يبقى التعليم العمومي، كما نتصوره، في خدمة الواقع، وفي خدمة تطوره النوعي، وعلى يد أبناء المغاربة.
6) تعليما متجددا، لا يعرف الرتابة، والتكرار، على المستوى التربوي، وعلى مستوى البرامج المتجددة باستمرار، وعلى مستوى الطرق التربوية، وعلى مستوى العلاقة مع التلاميذ، وعلى مستوى العلاقة مع الآباء، وعلى مستوى النظام التعليمي، وعلى مستوى الأطر التربوية؛ لأن التجدد يرتبط بتجدد مظاهر الحياة، التي تفرض تسييد قيم معينة في الواقع، وفي التعليم، وفي كل مجالات الحياة، خاصة، وأن التعليم يستهدف، بالقيم المتجددة، الأجيال الصاعدة، التي تنغرس القيم في مسلكيتها، لتصير مجسدة لتلك القيم على أرض الواقع.
والتعليم لا يصير عموميا، إلا إذا تحول الإطار التعليمي، ذكرا كان، أو أنثى، إلى حامل رسالة، تجاه الأجيال المتعلمة، الصاعدة، والتي تعطي للحياة نكهة جديدة، وتجددا مستمرا.
فالتعليم، يمكن أن نتعامل معه كمهنة، تمارسها نساء، ورجال التعليم، ويمكن أن نتعامل معه كرسالة، تحملها نساء، ورجال التعليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق