الصفحات

الخميس، 13 يونيو 2013

قضية و موقف// لصوص خارج حالة الرصد و الترصد

قضية و موقف           لصوص خارج حالة الرصد و الترصد

محمد عبيد- آزرو
أثار حفيظتي خبر تم تداوله عبر احد المواقع الإلكترونية يعلن من خلاله عن استعداد إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، لـ "إخفاء" ملفات الفساد المالي والإداري التي يتوقع أن تعصف برؤوس وازنة أو كانت وراء الزج بمسؤولين وراء القضبان ...و هو ما استدعى مني مناقشته مع بعض الزملاء و الأصدقاء حيث خرجنا باستنتاج تبين من خلاله أن الجدل المجتمعي حول هذه القضية أخذ منحى قانونيا بضرورة تعديل العديد من القوانين وتفعيلها في مواجهة كل الجرائم التي تندرج تحت عنوان الفساد وإهدار المال العام وإساءة استغلال السلطة ، وبالتالي من حق المجتمع أن يلمس ما تقوم به الأجهزة الرقابية والقضائية من جهود، وأن يتم تفعيل وسائل الوقاية أكثر من وسائل" الرقابة"، فلن يستفيد المجتمع من ضبط جرائم الفساد أكثر من منعها ، فالوقاية خير من العلاج ، وتوفير الحماية للمال العام ضد الاختلاس، والتربح، والثراء على حساب الوظيفة العامة أفضل من ملاحقة الفاسدين.
ليس اللص هو ذاك الذي يسرق ما يقتات به، وما يطعم به أولاده وأسرته، وما يقيم به صلب من يعيل من صغارٍ وعجزة، وإن كان يبقى لصاً سارقاً، يجب معاقبته ومحاسبته، فلا تغفر حاجتُه جريمته، ولا يخفف من جرمه فقرُه وعوزُه، ولا يمنع عقابه صراخُ أطفاله وعويل نسائه، ولكن تجب مساعدته، وتقديم يد العون له، لئلا يسرق أو يضطر لمد يده.
أما اللص الحقيقي، والمجرم بامتياز، فهو الذي يسرق قوت شعبه، ويحوز على مساعدات أهله، ويخص نفسه بما ليس له، أو يؤثر أهله ومعارفه، ويفيض بالعطاء على من لا يحتاج، ويجود بما لا يملك لمن لا يستحق، أو يكتنز المساعدات، ويخفي المعونات، أو يهرب الأموال، أو يحرم غيره من حقه، أو يحول دون نيله له، وهو يعلم أنه له حق، وأنه يحتاجها أكثر من غيرها، وأنه ينتظر الحصول عليها طيلة حياته.
اللص السارق هو الذي يسرق جهود غيره، وإنجازات الآخرين من شعبه، ويدعي كذباً أنها له، وهو يعلم أن غيره أحق بها وأولى، فهو صانعها ومالكها، وهو صاحبها ومنتجها، وإن كانت مساعدات فهي له وبسببه، وهي من أجله دون غيره، وإن كانت مكتسبات فهو بها شريك، وله الحق أن يكون له منها نصيب.
ذاك اللص يُصلبُ ويُحرمُ، وهذا اللص يُكافأُ ولا يعاقبُ وهو ما يقودنا إلى المطالبة بضرورة تطوير السياسة التشريعية بمكافأة كل من يرشد عن قضايا الإضرار بالمال العام وتوفير الحماية القانونية للمبلغين، وتوفير قنوات اتصال وخطوط ساخنة لتلقي بلاغات إساءة استغلال السلطة وجرائم الاختلاس والرشوة والفساد، على أن تكون هذه البلاغات مدعمة بالوثائق والمستندات، ويتم التحقيق فيها بسرية تامة والإعلان عن ما انتهت إليه التحقيقات.
 وقديما قال الفيلسوف: "الفاسدون أشخاص مثلنا يعيشون بيننا لهم أرجل مثل أرجلنا لكن أيديهم أطول من أيدينا"...المجتمع المغربي أعياه سماع قصص ملايير الدراهم المنهوبة من المؤسسات العمومية وشبه العمومية بدون حسيب ولا رقيب ... لوبيات قوية تحول دون المتابعة خصوصا عندما نتكلم عن دولة مازال استقلال القضاء فيها مطلبا أساسيا و مازالت الترسانة القانونية في مجال الرقابة المالية  مختلفة و مشتتة  بما يخدم الإفلات من العقاب.
و هذا المبتغى يبقى صعب المنال بدون إلغاء كل أشكال الحصانة و الامتيازات باعتبارها خرقا لمبدأ المساواة، و اتخاذ الإجراءات و التدابير اللازمة لمحاربة ظاهرة اقتصاد الريع و تفكيك شبكة اللوبيات المستفيدة من  واقع المواطن البسيط الذي يكتوي يوميا بنار الأسعار وبمظاهر البذخ  حتى التخمة التي تحاصره اينما حل وارتحل، إن النتائج التي من شانها أن تترتب عن مثل هذا الصمت، الذي هو في حقيقة الأمر أشبه بصمت القبور، لا يمكن قياسها على المستويين الاجتماعي و السياسي.
الكثير من الجرائم التي يعتبرها كثير من المواطنين نوعا من الفساد مثل الاحتكار والتلاعب في الأسعار أو إهدار المال العام في إعادة حفر الطرق عدة مرات بعد افتتاحها لاستكمال المرافق، فيما لا تعد كذلك في القانون.. و يجب أن نعرف أن عدم الكشف عن تفاصيل العديد من قضايا الفساد التي يتم التحقيق فيها يلقي بظلاله على مدى تحقيق مبدأ الردع العام لكل من تسول له نفسه في المساس بالمال العام.. لا يمكن ونحن نطالب بالكشف عن بعض هذه القضايا أن نستهدف التشهير بمتهمين لم تثبت إدانتهم، أو النيل من سمعة عائلات أخطأ أحد أفرادها معتبرين إياهم اخطر المجرمين".
في كل عمليات الفساد والرشوة والابتزاز، يكون المواطن المغربي هو الضحية، إذ بالرغم من أنه طرف في الموضوع، إلا أن النفوذ والسلطة اللذين يتمتع بهما الطرف الثاني يطغيان على العملية برمتها، لذلك لا نريد أن تصبح النزاهة هي الاستثناء في وقت يعم فيه الفساد، بل يجب أن تكون هي القاعدة، وذلك لا يمكن أن يتم إلا بانتباه الإدارات العمومية لموظفيها وسلوكهم اتجاه المواطنين.
التربويون وعلماء الاجتماع يطالبون بضرورة جعل مكافحة الفساد قضية مجتمعية يتم ترسيخها في ثقافة النشء، عبر تدريس معاني حماية المال العام في المناهج الدراسية، إن ما يُفقد الدولة هيبتها هو أن يتولى أمورها من وصفهم بلصوص المال العام، وأن ما يحفظ الهيبة هو الأمانة والاجتهاد في العمل والحفاظ على المال العام ومقدرات الشعب  بالتشديد على أن ما يهم الحكومة الحالية هو أن تقدم شيئا للوطن في توافق مع الملك.
اللصوص الذين يسطون على المال العام بطرق سرية وبطرق ماكرة وعن طريق التزوير أصبحت من الظواهر المتكررة اللافتة للأنظار و لكنهم لا يعتبرون في حالة رصد و ترصد حيث اذكر هنا ما آلت إليه محاكمة احد النصابين الذي سطا على الملايين(900مليون) و ضبطت بمنزله مخدرات بعد احتياله على العشرات من الضحايا بمختلف مدن المملكة الذين تقدموا بشكايات و تمت مواجهتهم للنصاب  حين براته المحكمة الابتدائية بالرباط خلال الأيام القليلة الماضية ، و لصوص آخرين فقط  سرقوا "البيض" لسد رمق جوعهم  يقدمون للعدالة مع حالة الرصد و الترصد بل و بعقوبات حبسية و دعيرة مالية لصندوق الدولة؟؟؟؟ .. السيبة هذي قال اخطر المجرمين هم من أيها الشعب لازم يرتبوا.. الهمّ إلى اكثر ك"يضحّط" و يبقى وطني الغالي  ك"يبكّي"..... أما الحديث عن واقع المحاكم التجارية التي قلما تم تداوله في الأوساط الإعلامية بالرغم ما يعيش عليه هذا المجال من سلوكات تغليب كفة مقاولات القروض على المتعاملين معها حين يقع إخلال او خطا من مصدر الاقتطاعات (المالية) لتنزل المطرقة في غفلة على رؤوس المتقاضين و أحيانا باتخاذ أحكام غيابية تزيد من هم المدين الذي هو أصلا موظف سواء كان نشيطا أو غير نشيط لتحول الأحكام حياة هؤلاء إلى جحيم مكبلين بسيادة القانون الذي لا يمكن وصفه إلا ب "القانون الأعمى" فذاك حديث آخر... خلوها مستورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق