الصفحات

الخميس، 11 يوليو 2013

قضية و موقف// متى تشبع أسود هذا الوطن؟

قضية و موقف//
متى تشبع أسود 
هذا الوطن؟
البوابة الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"محمد عبيد (آزرو)               
في المغرب لدينا مصطلح "آيت الخير" يتدخلون للصلح بين الأفراد والجماعات حتى ترسخت قيم في المجتمع وهذه القيم هي التي ساعدت في استقرار البلد والمشكلة هي أن هناك من ارضع حليب الانتهازية ويستغل هذه القيم النبيلة لأغراضه الشخصية حتى وجدنا أنفسنا في مجتمع تراكم فيه الفساد ولم نعد نعرف كيف نتصدى له.... هل سنرى يوما مغربا تخلص من فقر فساد بكل أنواعه تعليم تنمية اقتصاد قوي؟ دخل فردي جيد صحة لكل مواطن ؟ مدارس جامعات في كل أنحاء المغرب؟ تكوين علمي نهضة اقتصادية عدالة اجتماعية ؟ المجتمع ينتظر اهتماما بمشاكله الاجتماعية، لكن الفرق كلام في كلام، و بتأمل بسيط نجد الحاجات الاجتماعية في واد و خوض الخائضين في واد آخر..بعض البشر عائداتهم من فضائل الوطن تفوق حاجياتهم بالكثير الكثير، و البعض يصارع من أجل عتبة العيش معرضين لأشكال مختلفة من الضغط و الحرمان و تمريغ الكرامة..وسائل الصنف الأول طبعا هي مسالك الفساد بشتى دروبه و وسيلة الصنف الثاني هي الكدح و نبش لقمة العيش من صخر الواقع ...كلا الصنفين مواطن، و كلاهما شركاء في الوطن، يشكلان معا جسد الوطن الذي يدثرنا علمه الأحمر و أركانه الخضراء و تستضيف سماؤه هلال رمضان وشوال.. الصنف الأول يتكلم عن الأزمة وهو في حرز حصين منها بينما الصنف الثاني تنضاف أزماته الفردية إلى الأزمات الوافدة عليه محليا وطنيا و دوليا، فيصير في غشاء من أزمات يحسها و يتعايش معها بمناعة الصمود و امتصاص الضربات..و باعتبار أن عبارة:"محاربة الفساد" أصبحت دارجة، فأي الفئتين أهل لخوض غمارها على الساحات المحلية و الوطنية ؟ و انطلاقا من هذا فالمواطنون على عكس تشابك الخريطة الحزبية و السياسية، لا يمكن تصنيفهم إلا إلى صنفين اثنين: صنف المفسدين، و صنف من يشكلون موضوعا للفساد و ضحيته، و بالتالي فهناك فريق مدجج بكافة وسائل الفساد، و صنف أعزل لا يملك إلا لسانه المكموم أحيانا و المباع بثمن بخس أحيانا أخرى!
 فهل يمكن الحديث عن حرب وفق هذين الطرفين الغير متكافئين؟ و ما دام الكل يتحدث عن محاربة الفساد، هل يمكن لشخص أن يحارب نفسه كي ينهزم و يعرض نفسه لمحاسبة الوطن؟ و الفئة الضحية مشغولة بجراحها مكلومة بيومياتها معزولة عن نسيج القرار في المؤسسات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية، هي لا تريد أن يتم إنتاج أشكال للفساد تتوالد متحدثة باسمها أحيانا، هي تريد أنسنة للمفسدين، فمتى تأنسن الإنسان، أخرج من أفعاله و أفكاره جرثومة الفساد ذات المناعة المعروفة والخبرة المتراكمة في تسيير الشؤون العامة للبلاد... قدوتنا في ذلك ما يمكن للحيوان أن يعطيه لنا دروسا طبيعية: فالأسد يأخذ من الفريسة ما يشبعه و أسرته فقط و ما فاق حاجاته تركه للذئاب، ثم الضباع ثم النسور ثم النمل !!! و لاشك أن خيرات وطننا فرائس و طرائد لا تنتهي، فلتشبع أسود هذا الوطن ثم ذئابه وضباعه ونسوره ثم نماله، لا أن ترمي الأسود الخيرات في قمامات دونها أسوار عالية ! أو تركنها في بحر مصرفي داخلي أو خارجي، و تترك الجميع يخاطب الجميع بلغة محاربة الفساد !
يقول المثل الشعبي المغربي:"تلف الرأي لأهل الرأي و طاح في يد المتلفة.. لحمير كتتبورد و الخيل واقفة" وقيل أدبيا :"وأما الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، وفيه معنى التعمق"... طبعا لسنا في موقع مناصفة خيرات الوطن بين الأسود و النمال، نحن نروم أنسنة ما يمكن أنسنته.. فالديمقراطية لا تُختصر في إجراء انتخابات نزيهة تخول لممثلي الأغلبية تدبير الشأن العام و لا يمكن اعتمادها في الوصول إلى الحكم وعدم احترام قواعدها في ممارسته لأن وجود النظام الديمقراطي يرتكز على مجموعة من القواعد والأركان التي في حالة اختلال بعضها أو أي واحد منها لا يكون له وجود حقيقي ويبقى مجرد هياكل شكلية، ومن بين الأركان الأساسية في الممارسة الديمقراطية السليمة التزام كل الأطراف بما يفرضه المجتمع التعددي من حرية واحترام الرأي المخالف وضمان حقوق الأقلية وخضوع العمل الحكومي للمراقبة والمساءلة من قِبل المؤسسات التمثيلية ومن لدن الإعلام الحر والمستقل والمجتمع المدني. وحتى في حالة حصول حزب واحد على الأغلبية المطلقة فلا يعني ذلك أنه أصبح الحاكم المطلق لأن الهيئة الناخبة لا تمنح شيكا على بياض وإنما تمنح انتدابا محددا في الزمن ومقيدا بتنفيذ التعهدات تحت الرقابة الشعبية المستمرة. و لا يمكن لأي أغلبية أن تنجح في مهامها إلا بالانفتاح على كل مكونات المجتمع واعتماد الحوار والتشاور واتساع الصدر للنقد مع العمل الجاد والناجع لترجمة التعهدات والالتزامات إلى واقع ملموس في ظل الشفافية وحسن التواصل مع المجتمع.أما في حالة التعالي والعجرفة وعدم إعطاء أي اعتبار للرأي السائد لدى الأقلية وغيرها من المواقف والمقاربات المخالفة وإعطاء الظهر لباقي المكونات السياسية بدعوى الخروج من صناديق الاقتراع، فإن ذلك يعد انحرافا عن السلوك الديمقراطي ويكون بمثابة الخطوات الأولى نحو الفشل الذي يصبح واقعا لا غبار عليه حينما تنضاف إلى تلك الخطوات قلة الخبرة وانعدام الكفاءة وعدم إنجاز التعهدات والاقتصار على ترديد الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر...والتمادي في التعالي والانغلاق والاستهانة بالرأي المخالف واعتبار النقد مجرد تشويش ومحاولة إرجاع أسباب الفشل للآخر، كل ذلك من مؤشرات السير الحثيث نحو السقوط.
فما يحصل الآن في مصر أكبر دليل على سقوط نموذج العلمانيين و ليس الإسلاميين، الكل الآن حول العالم يرى كيف تدبر الأمور بطريقة أبشع مما كانت عليه في عهد مبارك... الآن تبين أن الإسلاميين هم الوحيدون الذين لازالوا يؤمنون بصناديق الاقتراع، في حين أن العلمانيين يؤمنون بالسلطة على الدبابات، و لو بالعسكر و مع العسكر و لو بالقتل و تذبيح الأبرياء، المهم ألا تكون السلطة بيد الإسلاميين، المهم أن تكون بيدهم ضدا في الشعوب ضدا في شرعية القرارات .. قمة النذالة لكنه كله إلى زوال... في مصر اليوم، قوتَين منظمتَين لا ثالث لهما: الجيش والإخوان، بيدهما وحدهما أمر الحرب و السلم بأرض الكنانة. و حتى الآن لم يتوقف الطرفان عن تبادل إشارات التهدئة و التطمين.. فأركان الجيش والشرطة الذين خرجوا اليوم ليعلنوا انحيازهم للإرادة الشعبية وللضرب بقوة على يد كل من "يفسد على الشعب فرحته بالثورة" انسحبوا في اليوم الثاني لانتخاب مرسي رئيسا بشكل كامل من الشوارع وتركوها مستباحة لبلطجية الفلول ومتطرفي المعارضة ليروعوا الناس ويقطعوا الطرقات ويقنصوا مؤيدي الرئيس ويحرقوا مقراتهم. وكأن الأغلبية التي صوتت على الرئيس وأكدت هذا الاختيار مرة أخرى من خلال تصويت ما يناهز ثلثي الشعب على الدستور، وكأن كل هؤلاء ليسوا شعبا ولا اعتبار لإرادتهم... ... لأن ما حصل في مصر يرجعنا إلى المربع الأول في أبجديات السياسة من أجل مساءلة الجميع عن حقيقة القناعات الراسخة والمواقف المبدئية.. حتى لا ننتج صيغ السخافات الانقلابية و الشرعيات المفبركة بشتى أصناف الشعبوية .. نحن نريد مزيدا من الاستقرار و السلم الاجتماعي، و بمعارضة ايجابية ذاتية غير مملاة، و بإعطاء الحق للشعب فرصة إنتاج وعيه و تربيته على المسار الديمقراطي و احترام الاختيار مهما كانت نتائج ذلك الاختيار حتى يكون منفتحا على التغيير كلما تطلب الأمر ذلك دون أن نضحي بالقيم الإسلامية التي هي أسمى من كل حزب و كل جماعة و كل شارع يتحرك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق