الصفحات

الخميس، 20 مارس 2014

"لَمْزَاحْ" في حكومة بنكيران

قضية و موقف//

  "لَمْزَاحْ" في حكومة بنكيران
البوابة الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد        
كثيرا ما روجت حكومة بنكيران أنها تهدف -من ضمن ما تهدف إليه- إلى "حماية الاستثمار وعدم إشاعة مناخ الخوف"، ومناهضة جيوب الفساد والمفسدين وانتهاج حملات تصفية للمراكز المالية ولذوي رؤوس الأموال وفيرها من الرؤوس  بدعوى محاربة الفساد للتضييق على أصحاب رأس المال، والحيلولة دون دوران عجلة الإنتاج المفرز للثروة والمفضي إلى خلق فرص العمل لمئات الآلاف من العاطلين وتحسين المستوى المعيشي الاجتماعي أساسا فضلا عن استفحال الرشوة المؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني بتقليص الاستثمار المنتج، وتقويض المنافسة الشريفة، وتعطيل تنافسية المقاولات، وتعميق الفقر وتهديد السلم الاجتماعي، وتخريب البناء الديمقراطي".
ومع أمر الواقع يبقى كل ادعاء أو موقف أمر يحيل على النوايا أكثر مما يؤشر على الوقائع، بل عن التحليل الموضوعي الذي يتطلب معه استحضار العقلانية وعدم التخفي  خلف خطابات التعميم أو التعويم أو الجمل المحيلة على التأويل...رافقتها جملة من لملاحظات الأساسية بغرض وضع بعض التصريحات الحكومية في سياقها السليم، أو لنقل وضعها في سياق السلوك البراغماتي الذي غالبا ما يطبع الفاعل السياسي عندما ينتقل من وضع المعارضة المريح، إلى سدة الحكم حيث يوضع وجها لوجه مع محك الإكراهات والتحديات... والقصد مما سبق أنه إذا تم التغافل على المفسدين أو إبداء التسامح معهم تحت هذه الذريعة أو تلك (وضمنها ذريعة طمأنة الاستثمار وعدم تجفيله وذريعة "التماسيح والعفاريت")، فكأننا نشرعن حقا لجريمة ثابتة كان الفاعل الثاوي خلفها متخفيا، خصوصا أمام شعارات من قبيل"عفا الله عما سلف".. قبل أن يخرج آخرون من نفس الحكومة بتخريجات لا يخرج وصفها عن وصف "المزاح" كما جاء في احد تصريحات وزير الشباب والرياضة مؤخرا لإحدى الجرائد الوطنية حين قارن وجعل "المزاح" كفاكهة عنوان مشاعره بخصوص التسامح حين  قال"أنه في صغره كان يسرق فاكهة "لَمْزَاحْ"ومنها تعلم درسا في التسامح؟؟؟؟؟؟؟".. وهو تعبير يكشف ماخفي من النيات مادام المزاح ولو فاكهة يتحكم في المشاعر والتعامل مع المواقف التي يتطلب منها الأمر الحزم والمسؤولية لأن ذاك التصريح يفضح  بالمباشر الصريح أن معالجة ملفي الفساد والريع في عدد من القطاعات الحكومية (منها وزارة الشباب والرياضة) ستتم بلطف، وأن المطلوب اليوم ليس إعمال مبدأ الانتقام..
إن المرء قد يبتلى ببعض الأخلاق المذمومة، ويكون ذلك الخلق جبلة طبع عليها، ومن أمثلة ذلك: الثرثرة - وهي كثرة الكلام بلا فائدة- وكثرة المزاح.. وقد يقول وزير الشباب والرياضة أنه في ذاك التصريح كان يقصد الضحك والترفيه عن النفس..
صحيح أن للضحك فوائد جمة يتفق عليها الجميع، فوائد تعود بالنفع على صحة ونفسية الإنسان  وجماله أيضا، لكن هذا لا يعني أن نتمادى في المزاح بجميع الطرق وحسب رغباتنا؟..ذلك أن هناك أصولا يجب مراعاتها واحترامها في المزاح حتى لا يصبح هذا الضحك ذو نتائج عكسية مع الآخرين...
إن للأعمـال ضوابط تُضبَط بها حتى تكون موافقة للمشروع؛ ومتى فُقِدَت هذه الضوابط كان ذلك العمـل ممنوعاً... وكم من إنسان غفل عن تلك الضوابط فوقع في الممنـوع من حـيث يشعر أو لا يشعر! المزاح الذي يكثر في هذه الأزمنة المتأخرة ويقل من يضبطه بضوابط الشرع.
في الحقيقة المزاح له آداب، والمزاح شائع بين الناس جميعاً.. قد تحدث أخطار كبيرة بسبب المزاح نحو ضعف الهيبة، والاستخفاف وعدم المبالاة والتساهل والتسيّب، وهذه من آثار المزاح السلبيّة، لكن كالملح في الطعام إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه..
ومن هنا يكون الفرق بين "لمزاح "الفاكهة ' و لفظ المزاح ـ بضم الميم  حين يكون هذا الأخير وسيلة يراد بها المباسطة، بحيث لا يفضي إلى أذى، فإذا بلغ الإيذاء فإنه يفضي إلى السخرية... والمزاح ـ بكسر الميم ـ: مصدر... من فوائد المزاح: أولاً: أن يكون على سبيل الملاينة والمباسطة وتطييب خاطر صاحبك وإدخال السرور على قلبه.
والمزاح مفتاح من مفاتيح الشر كما هو معلوم لأنه قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة ولكن الإنسان لا يستغني عن شيء من المزاح فلذا وضع له العلماء ضوابط معينة حتى يكون المزاح جائزاً فلذلك قال العلماء : لا بأس بالمزاح إذا راعى المازح فيه الحق وتحرى الصدق فيما يقوله في مزاحه وتحاشى عن فحش القول..
ولكن المزاح قد يخرج عن الإباحة إلى التحريم إذا اشتمل المزاح على سخرية واستهزاء... وكذلك لا يجوز أن يشتمل المزاح على الكذب من أجل أن يضحك الناس لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ! ويل له".
الواضح والصريح من استعمال لفظة "المزاح" سواء فاكهة او لفظة بمعناها الأصلي "الاستهزاء" هو اعتماد بل التشبع بعقلية تشيع لمبدأ المهادنة مع الفساد والمفسدين، لا سيما وأن عددا من أصحاب القرار في حكومة بنكيران أدركوا بحكم مناصبهم أن محاربتهم للفساد والمفسدين أمر عسير ومعقد، بل ومن باب المستحيل ربما، بحكم تعششهم في كل أجهزة الدولة، بما فيها المستويات التقريرية من الصف الأول، وبحكم تشابك خيوط السوق بالسياسة، وتحول ماكينة الدولة الخفية إلى خصم وحكم، بالسلطة الناعمة إن أمكن، وإلا فباللجوء إلى أدوات القوة الخشنة التي يصبح في ظلها الكل مع الكل ضد الكل، بشراسة ودون هوادة ..
 لهذا يستشف من هاته الصيغ المتداولة حول "التسامح" بمختلف أنساق الحديث عنه في دهاليز الحكومة أنه لا خوف على المفسدين وناهبي المال العام والعابثين بثروات المغرب ولسنين طويلة مضت ولا تزال (تقدر الإحصاءات أن ما تم تهريبه من عملة صعبة إلى الخارج حتى كتابة هذه السطور، قد تجاوز الـ40 مليار دولار، معظمه على شكل ودائع واستثمارات عقارية في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وكندا وغيرها)، قد يتم التسامح معهم وإبراء ذمتهم الشخصية، وهذا أخف الضررين في ظل واقع الحال، لكن شريطة أن يعيدوا للدولة ما نهبوه، لأن أفعالا من هذا القبيل جرائم لا تخضع لمبدأ التقادم، ولا حق لأحد -كائنا من كان، حتى لو كان بأعلى سلطة في البلاد- أن يُصدر عفوا جزافيا على من ارتكبها أو ساعد على ارتكابها.. فهو ليس منتدبا قضائيا عن المغاربة، خاصة الذين صودرت أملاكهم أو ابتلعت أراضيهم، أو تعرضت مشاريعهم للمصادرة من طرف هذا الفاسد أو ذاك، أو تم أكل ضرائبهم بالباطل في النهار أو في جنح الظلام..
فأين لنا بتفعيل شعار "المحاسبة" إذا كان وزراء حكومة بنكيران كل مرة يطلع علينا منها أحدهم بتبريرات كلها تصب"في المزاح" الذي تعلم منه وزير الشباب والرياضة "التسامح" وليبقى بهذا الشعور "الإنساني" لا "المسؤول " فرصة  للإفلات من العقاب وأحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفشي الرشوة والفساد في بلادنا؟ إن تنفيذ القانون ليس حقا في ملك الحكومة، بل واجبا دستوريا وسياسيا وأخلاقيا يأتي على رأس ارتباط المسؤولية بالمحاسبة" وليذهب شعار "عفا الله عما سلف " و مزاجية "سرقة لمزاح في الصغر درس للتسامح في الكبر" إلى الجحيم... فهل يستطيع المرء -فوق كل هذا وذاك- القول بأن وجود فاسدين في المؤسسات المنتخبة من عناصر البناء الديمقراطي؟ فالمطلوب اليوم "ليس إعمال مبدأ الانتقام، بل مخاطبة هؤلاء بقول: "كفى"، علّهم ينتهون ويتعظون ويسهمون في صيرورة طي ملفات الماضي، ثم يتجهون باتجاه الإسهام في بناء مسارات صحيحة للحاضر، واستشراف أصح لآفاق المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق