قضية وموقف:
مجتمع مفتون بفنون الشتم وأشكال السب واللعن..
إلى أين؟
*/*البوابة
الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"/محمد عبيد-آزرو*/*
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ
هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
الأخلاق الحميدة والصّفات النّبيلة والقيم الرفيعة ركن ركين لكلّ حضارة بشريّة ومشروع حضاريّ... فالأمّة بناء، والمشروع بناء وأهمّ أعمدة هذا البناء وأخطر أركانه الأخلاق، وأيّ بناءٍ قيّم أو مشروع يُقام لا يُراعى في أسسه بناءٌ أخلاقيّ سليم فهو إلى انهيار عاجلاً أو آجلاً...
الأخلاق الحميدة والصّفات النّبيلة والقيم الرفيعة ركن ركين لكلّ حضارة بشريّة ومشروع حضاريّ... فالأمّة بناء، والمشروع بناء وأهمّ أعمدة هذا البناء وأخطر أركانه الأخلاق، وأيّ بناءٍ قيّم أو مشروع يُقام لا يُراعى في أسسه بناءٌ أخلاقيّ سليم فهو إلى انهيار عاجلاً أو آجلاً...
إنَّ الاهتمام بالأخلاق وفق المنظومة القيميَّة والعقَدِيَّة التي تؤمن بها
الأمة والتوافق المُجْتمعي عليها هو نقطة الارتكاز لعافية الأمَّة في كلِّ
المجالات الحيويَّة، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وافتقاد الأخلاق وانحطاطها
مؤشِّر انهيار الأمة الذي لا شكَّ فيه؛ لأنَّ محصِّلة افتقاد الأخلاق الكريمة، مِن
صدقٍ في المعاملة، وإتقانٍ في العمل، واحترامٍ للنظام، وأمانةٍ في الأداء،
والاستثمار الأمثل للوقت، واحترام الإنسان، والتأكيد على حقوقه في الحرية والعدالة
والكرامة الإنسانيَّة، وتعهُّده بالتربية منذ طفولته الأولى، وتثقيفه وتربيته على
مكارم الأخلاق، وطلب المعالي، والهمة العالية، وتعهُّدِه بالتوجيه السديد،
والإعلام الرشيد...
وكم من فلسفاتٍ وأفكار بشريَّة جَنَتْ على الفطرة الإنسانيَّة، وأشْقَت البشرية، وأنزلت أفدح الخسائر في الجنس البشري؛ لأنَّها انطلقَتْ من المادَّة، وكَرَّستْ قيم التفكير المادِّي التي تسعى لإشباع غرائز الإنسان المادِّية، ، والشَّطط في العقائد السياسيَّة...
وكم من فلسفاتٍ وأفكار بشريَّة جَنَتْ على الفطرة الإنسانيَّة، وأشْقَت البشرية، وأنزلت أفدح الخسائر في الجنس البشري؛ لأنَّها انطلقَتْ من المادَّة، وكَرَّستْ قيم التفكير المادِّي التي تسعى لإشباع غرائز الإنسان المادِّية، ، والشَّطط في العقائد السياسيَّة...
إهانة الآخر في مجتمعنا أصبح فنا نتقنه، ونطوره ونحسنه، نرثه ونورثه، نعلمه
لأطفالنا، وينشأ عليه شبابنا، ونحاسب أنفسنا إن قصرنا في رد الإساءة، أو عفونا عن
مقدرة، أو سامحنا عن إرادةٍ لا عجز، أو تجاوزنا عن رغبةٍ ومحبة، فلا مكان عندنا
للصفح الجميل، ولا للكلمة الرقيقة، ولا للابتسامة الجميلة، ولا للفتة الحلوة، ولا
قدرة عندنا على الاستيعاب وكظم الغيظ والعفو عن الناس، غضبنا كالبركان، يحرق ويدمر
ويخرب، يثور فجأة، وتتصاعد حممه بسرعه، وتعلو ألسنته كالشياطين، ولساننا كالبندقية
الآلية، سريعُ الطلقات لا يتوقف ولا يتعثر، ولا يستريح ولا يستكين، وشياطيننا
حاضرة، جاهزة ومستعدة، من الإنس والجن على السواء،كلاهما يتبارى مع اللآخر، أيهم
يكون أسرع غضباً، وأشد لعناً، وأقسى وجعاً وإيلاماً...
قاموسنا ثريٌ زاخر، مفرداته كثيرة وغزيرة، وقرائحنا لا تنضب ولا تجف، وقدرتنا
على الإبداع والخلق عالية، لدينا القدرة على التركيب والتبديل والتغيير، لتكون
الشتائم واللعنات بليغةً قاسية، غريبةً عجيبة..
شتائمٌ لا يعرفها السابقون، ومسباتٌ غريبة ما وردت على كثير من السامعين،
يستنكرها الكبار، ويحفظها الصغار، تطال الأب والأم، والشرف والعرض، والزوجة
والأخت، بعضها من انتاجنا ومن واقع بيئتنا ومجتمعنا، وأخرى استحضرناها معنا من
الغربة، أو استوردناها من الأجنبي، الوافد أو المحتل، فجاءت هجيناً بين لعناتنا
وشتائمهم، وأخرى تتطاول على الذات الإلهية، والمقدسات الدينية، وتعتدي على الحرمات
والمقدسات، ولا تستثني قيمةً من قيم الدين إلا وتنبشها وتشتمها، وغيرها تنال من
الرسول الأكرم، محمد صلى الله عليه وسلم، وزوجاته أمهات المؤمنين، الطاهرات
العفيفات، وتمتد الشتائم واللعنات لتشمل بقية الأنبياء والمرسلين، من أصحاب الكتب
والرسالات، من لدن آدم عليه السلام، وصولاً إلى رسولنا الكريم محمد...
ولا حرمة لرجلٍ عجوز، أو كبيرٍ وقور، يبدو على هيئته الاحترام، وعلى شكله
الوقار، وتظهر على وجهه سيما الهيبة والتقدير، ولا حرمة لميتٍ ولا كرامة لحي، ولا
رحمةً لضعيفٍ او مريض، ولا حرص على طفلٍ صغير، ولا خجل من امرأةٍ أو فتاة، صغيرةً
كانت أو كبيرة، ولا مراعاة لحشمةٍ أو عيبٍ، ولا حياء من أخت، ولا خوف من أم، ولا
حرص على مشاعر المرأة، بل خدشٌ لكرامتها، وإهانةٌ لمشاعرها، وإساءة لنفسها
وأنوثتها، واعتداءٌ عليها، وتطاولٌ على جسدها..
العاقل و غير العاقل يشتم، والموظف يرفع صوته ويصخب، و الكل يسب ويلعن، ويهدد
وتوعد، والطفل الصغير في الشارع يلعن، ويرفع صوته بغريب الشتائم ولا يخاف، إذ لا
يردعه كبير، ولا يحاسبه مسؤول، ولا تؤنبه أم، ولا يعنفه أب، ولا يمنعه أو يعاقبه
قانون...
الرجل يلعن، والمرأة ترفض أن تكون أقل من الرجل فتلعن، وتسب وتشتم، وتباري
الرجال بكلماتها، وتنافسهم بمخزون مفرداتها، إذ لديها أكثر من الرجال، وعندها ما
يميزها كأنثى، ردحاً وارتفاعاً في الصوت، وافتراءً وادعاءً واتهاماً وأحياناً استخداماً
للحذاء الذي تنتعل أو تجد.
المثقف كما الجاهل يستويان ولا يختلفان، يلعنان ويشتمان ويسبان، والمتعلمون
كما الأميين يتساوون في أوقاتٍ، ويتطابقون في ساعات، فتتلاشى الفروقات، وتسقط
الفوارق، فيتباريان أيهم أسرع غضباً، وأشد سباً ولعناً...
أليست هذه المظاهر غريبة وعجيبة، ومستنكرة ومدانة، ومرفوضة وغير مقبولة، وهي
وإن لم تكن ظواهر عامة، شائعة وسائدة، إلا أنها في نفس الوقت موجودة بيننا، لا
نخفيها ولا ننكرها، ولا نحاول الإدعاء بأنها ليست قائمة، ولا نخفف منها ولا نقلل
من أخطارها ومساوئها، في الوقت الذي لا نستطيع فيه علاجها، ولا ننجح في محاربتها،
رغم أنها تخالف الشرع الإسلامي الحنيف، وتتعارض مع قيم الحضارة والمدنية، وتتناقض
مع الذوق واللباقة، وتتنافى مع الحس المرهف، والخلق النبيل، وتتعارض مع درجات
الثقافة والعلم، ما يوجب علينا محاربتها في أنفسنا أولاً قبل مطالبة الآخرين
بالامتناع عنها، والتوقف عن استخدامها واللجوء إليها.
وخلاصة القول، لا يمكن لأي حضارة أن تقوم دون سند أو رصيد من قيم وأخلاق.. ولا
يمكن أن تنال أمة عزة أو شرفاً أو مكانة إلا إذا كان حظها ونصيبها من الأخلاق
عظيماً... إذ أنه أصبح من الضروري والحتمي على مستوى القيادة والمؤسسة
والمجتمع أن يسود خلق الالتزام بالعهود والمواثيق، حتى وإن كانت كلمات غير مكتوبة،
وألا يستهان بذلك، وإلا ضاعت هيبة القيادة والمؤسسة وانعدمت الثقة فيهما، وتحللت
الروابط بين الناس على المستوى المجتمعي العام، فلا أحد يصدق أحدا، ولا أحد لديه
استعداد للتفاهم أو التحاور أو التعاون مع الآخر، وبالتالي نجد أنفسنا أمام مجتمع
مفكك، مشرذم، متصدع، بل متناحر أيضا.. مثل هذا المجتمع لا يمكن أن يستقيم له أمر،
فضلا عن أن يشهد نهضة أو رقيا أو تقدما..
إن مُحصلة افتقاد تلك القيم يؤدِّي حتمًا إلى شيوع الفساد الأخلاقي والسياسي
والاجتماعي، الأمر الذي يترتَّب عليه انتشار الظُّلم والفساد، والانحطاط الأخلاقي،
وافتقاد قِيَم الرحمة والتسامح، وشيوع الغشِّ في المعاملات، والقسوة في التعامل مع
الضعيف، وقَصْر تطبيق القانون على المستضعَفين، واستثناء ذَوِي الجاه والنُّفوذ والسلطان،
فيتحقق بذلك الهلاك المؤكَّد، بافتقاد تلك المنظومة من الأخلاق الكريمة...
مع تأكيد حرية الاعتقاد: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ"[ سورة الكهف:الآية 29]