*/*قضية وموقف: حديث عن الوطن والمجتمع المدني والفعل السياسي
*/*مدونة"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد*/*
يعتبر حبّ الوطن رمزاً وفخراً واعتزازاً... حبّ الوطن ليس حكراً على أحد؛ حيث إنّ كلّ فردٍ يعشق ويحبّ وطنه، إن شعور الإنسان الأزلي بانتمائه وولائه للرقعة الجغرافية التي عاش وترعرع بها ضمن مجتمع له منتوجه الحضاري والفكري وأصوله وعاداته وتقاليده وقوانينه، بلور العلاقة الجدلية بين "الوطن" و"المواطن" و"المواطنة"، وما يترتب عليها من التزامات وحقوق وواجبات تعزز وتقوي أواصر هذه العلاقة الإنسانية، التي تحفظ للمرء حقوقه وواجباته وتوفر له الطمأنينة والمحافظة على كيانه الشخصي والفكري والعائلي في المجتمع "الجمعي" بمنعزل عن الخوف والقلق...
الوطنية ينبغي أن لا تكون مكسبا أو مغرما، بل هي عقيدة و إيمان، وإنّ تنمية الحس الوطني عند أجيالنا الجديدة يأتي حينما يتقاسم أبناء الوطن الواحد آلام الوطن كما يتقاسمون لذاته، ويتوخي ميزان العدل في تقسيم ريع الوطن، وتنتفي مواطن التزلف وطرق الغش في تحقيق المنافع العامة على أساس القرابة أو الحمية أو المال أو الجاه...
إنّ ما شاع في عصرنا الحاضر عند جيلنا الجديد من التنكر للأوطان، وهجر حبّها إنّما مردّه إلى شيوع ثقافة التيئيس والإحباط من جرّاء تصرفات البعض الخاطئة حينما صار حب الوطن والتغني بالوطنية سلما للوصول لنيل المناصب وتقلد المراتب والحصول على المكاسب، أو حكرا على طائفة تختزله لنفسها وتحرمه عن غيرها أو تحويله إلى حزب سياسي المنخرط فيه يصير وطنيا والخارج عنه يصير خائنا، وشاع احتكار الوطنية والمواطن على الولاء والراء السياسي، وقسم أهل الوطن الواحد إلى وطنيين وغير وطنيين وإلى مواطن من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية، فهذه الثقافة الخاطئة هي التي سوقت لجيلنا هجر الأوطان والتغرّب عنها و التنكر إليها.
وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن مهام المجتمع المدني والإصلاح السياسيّ، إذا علمنا أن المجتمع المدني هو جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفى استقلال نسبي عن سلطة الدولة أي أن المجتمع المدني عبارة عن مؤسسات مدنية لا تمارس السلطة ولا تستهدف أرباحا اقتصادية ولكن لها دور سياسي يتمثل في المساهمة في صياغة القرارات من موقعها خارج المؤسسات السياسية.
ويعد النزاع بين النظم السياسية ومؤسسات المجتمع المدني حول دورها السياسي مؤشرا على أن مسألة تنظيم الحدود والاختصاصات في المجال العام مازالت مسألة غير محسومة في السياسة العربية وليس كما تدعى النظم السياسية أن هذا الدور يخرج عن اختصاص المجتمع المدني.
وبالرغم من الجهد المتعمد والمستمر من جانب الدولة لإخضاع المجتمع المدني وإفشاله فضلا عن أن التمويل الأجنبي قد أثر على أداء بعض مؤسساته بحيث جعلها تهتم بقضايا ثانوية ضمن أجندات تابعة أو مفتعلة، فإن المجتمع المدني ما زال يلعب دورا سياسيا سواء فيما يخص القضايا السياسية والاقتصادية الداخلية أو القضايا المصيرية التي تتعلق بشئون الأمة.
غير أن دور المجتمع المدني يظل دون المستوى المطلوب من التأثير في قرارات النظام السياسي -حتى الآن- وهو ما يفرض على مؤسسات المجتمع المدني تطوير رؤيتها للعمل السياسي والبحث عن ميادين ووسائل جديدة من أجل الحصول على التأثير الهادف لفرض مطالب مؤسسات المجتمع المدني على النظام السياسي.
وبالرغم من أن مؤسسات المجتمع المدني لا تسعى للوصول إلى السلطة فإنها تقوم بدور سياسي بارز يتمثل في تنمية ثقافة المشاركة بما يدعم قيم التحول الديمقراطي فضلاً عن قيامها بدور أساسي في تربية المواطنين وتدريبهم عملياً وإكسابهم خبرة الممارسة الديمقراطية وهناك أيضاً ما يتعلق بمهام المجتمع المدني في تطوير ثقافة شعبية لدى الناس تقوم على إعلاء أهمية تنظيم الجهود الذاتية والمبادرات التطوعية في صياغة تنظيمية خلاقة تؤدى إلى الارتقاء بالوعي السياسي وبالثقافة السياسية وبما يدفع الناس إلى المشاركة الجادة في صناعة القرار السياسي وفى التأثير على سياسات الدولة في مختلف المجالات أو ما يعرف بالسياسات العامة.
إضافة إلى هذا كله، فالملاحظ أيضا أن النقابات المهنية تؤدى هذه الأدوار بشكل أكبر نسبيا- يليها جمعيات حقوق الإنسان ثم الجمعيات الأهلية التي تنخرط في العمل العام من خلال ما تقوم به من أنشطة تنموية - فقد ظهرت هذه النقابات بوصفها منابر سياسية بديلة استطاعت اجتذاب واستيعاب كافة القوى السياسية التي عجز النظام السياسي عن استيعابها.