صفرو: وزير التجارة الخارجية ورئيس بلدية صفرو
يبتكر جنسا صحافيا جديدا
ـ تحقيق صحافي لجريدة هبة بريس ـ
بندير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أشهر بنادير المملكة
مدينة الكرز اعتادت أن تنتفض ضد الحكرة والهشاشة والتهميش.
الإطار:
أتيحث لنا الفرصة للاقتراب من مدينة حب الملوك وصحافة حب الملوك، وذلك في إطار فعاليات الملتقى الثاني الذي نظمه نادي المدينة للصحافة بتنسيق مع المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية وبدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تحت شعار"الصحافة الوطنية في خدمة المجتمع والتنمية" أيام 25ـ26و27 مارس 2011
برنامج الملتقى عرف ارتباكا ملحوظا بالنظر لاعتذار أغلب المحاضرين المبرمجين ومن ضمنهم الأستاذ منار السليمي الذي لم نعهد له تراجعا أواعتذارا. وتبقى نقط ضوء الملتقى عرض الصحافي محمد رامي وزيارة بعض منجزات المبادرة الوطنية وحضور بعض طلبة المعاهد الصحافية.
الصورة:
مظاهر الهشاشة والإقصاء تطل على الزائر عبر كل المداخل، والمحاور، والطرق الثانوية المتآكلة، والبلدات المنتشرة على أطراف مدينة صفرو،
لقالق معمرة ترسو فوق بناية هذه الجماعة أو على أشجار تحيط بدار كئيبة للطالبة أو مركز إيواء نتن .
مقالع وضيعات ومعاصر زيتون بيد أسماء معدودة وساكنة كثيفة تجتر الصمت وتتجرع المرارة والحرمان.
صفرو اعتادت أن تنتفض لأن رائحة الإقصاء والتهميش وصكوك التواطؤ بين صحافة الجهة وأعيانها وسلطاتها تنبعث من لقاءاتهم الرسمية فما بالك بلقاءاتهم السرية.
لايمكن لزائر هذه المدينة ونواحيها أن يغير عليها أكثر من أبنائها، لكننا نتأسف لأننا وجدنا أظافر صحافة الإقليم وقد قلمت وتناثرت قرب أطلال صفقات مشبوهة ومقالع تجثت تربة الإقليم وتلوث بيئته.
يقول الأستاذ محمد رامي في عرضه :"لقد انخفضت أسعار شراء صمت أو تطبيل الصحافة الجهوية بشكل كبير، وصار ثمن بعض الصحافيين لا يتعدى مئة درهم وأحيانا كأس قهوة أو قنينة نبيذ" وعاتب كثيرا على الصحافة الجهوية مناديا ب"سلطة حقيقية رابعة لا سلطة تابعة"
واعترف أن الكثير من العناوين تصدر مرة كل مناسبة وليست مجرد جرائد أسبوعية تصدر مرة في الشهر...
أحد طلبة معاهد الصحافة طرح سؤالا قويا لم نستطع الإجابة عنه مفاده: "هل الصحافة حقا سلطة أم أنها مجرد أداة في يد سلطات أخرى؟"
وأليست وزارة الاتصال دليل على ديكتاتورية الانظمة ؟
صفرو أصابها الإصفرار، سحنات مستضعفيها صفراء، سيارات أجرتها صفراء، أحياؤها صفراء... ورجال السلطة ووزير الإقليم لايزال يستقبل مطالب الساكنة بابتسامات صفراء...
النواحي:
إيموزار ، كندر، المنزل، بئر طمطم، البهاليل، العزابة، رباط الخير"هرمومو" لعنوصر ...وباستثناء مدينة إفران تبقى جل البلدات المذكورة أشباه حواضر دون بنيات تحتية، تطل عليك وأنت تتجول أحيائها الفقيرة مسميات تعكس حجم الإهمال والإحساس بالحرمان، فتقرأ مثلا على واجهات المحلات، محلبة الشفقة وحلاق الرحمة ودكان البركة وهي إشارة استغربتها بدء غير أنني فهمت الرسالة التي لم يفهمها كما يجب زين العابدين بن علي ورؤساء جماعات تلك الأقاليم وباشواتها ... صمت رهيب يعلو فضاءات تلك المدن يوحي بتوقف الحركة وبأن مغرب هذه المناطق جامد لا يتحرك...
قافلة طبية يتيمة تزور الهوامش بتدشين من الوزيرة الباسمة كشكل من أشكال المواساة والتصالح مع هذه الأقاليم المنسية.
دور الطالبات فقدت صباغتها الخارجية وتعرضت تجهيزاتها لإهمال كبير،
فتيات في عمر الزهور يشتكين للصحافة المتفقدة الجوع والقر والرطوبة وحرمانهم من الاقتراب من الحواسيب وإرغامهم على دفع مقابل شهري مقابل استقرارهم بدار تدعي أنها تقدم خدمة عمومية مجانية.
صفرو:
بالمدينة كشر المنعشون العقاريون عن أنيابهم وتنامى طمعهم بشكل بشع، فالتهم المد والنهش العقاري حديقة المغرب وأجمل مدينة في المغرب كما رأها الحسن الثاني رحمه الله، وزحف الإسمنت والحديد مقتربا من ضيعات حب الملوك ،
صفرو هذه المدينة الواقعة على سفح جبال الاطلس المتوسط على بعد 28 كلم جنوب شرق مدينة فاس، وثاني بلدية في المغرب بعد البيضاء حيث أنشئت بلديتها سنة 1913 يحلو كثيرا لأهلها الحديث عن تاريخ صفرو السحيق الممتد إلى النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، حينما كانت تدعى طريق السلطان ويحلو لهم أكثر الاستشهاد بقول مأثور لايزال محط جدال تاريخي للمولى ادريس الثاني حين كان يدشن ورش مدينة فاس فقال: سأرحل من مدينة صفرو إلى قرية فاس فورانتهاء أعمال البناء" كشكل من أشكال إرضاء غرور وإباء خفي في نفس صفريوية تحترق كمدا عن مدينتها.
حرقة الانتصار لمستضعفي صفرو والنواحي أرغمتني على التلكؤ في تغطية فعاليات الملتقى واكتفيت برقن خبر ساخر حول زيارة وهمية لنجل العقيد القذافي سيف الإسلام لمدينة إفران مستغلا الشبه الكبير بين هذا المجرم وبين الصحافي المتألق الزميل محمد رامي وصدقا، كان رقن الخبر ّأفضل بكثير من تغطية أشغال ملتقى شابته الكثير من العثرات. لكن تبقى حسناته هي مجرد المحاولة المّأجورة...
أورشليم الصغيرة" كما سماها اليهود اشتهرت بتعايش المواطنين من مختلف الديانات وهي الآن تعرف تعايش مواطنين ومسؤولين من ديانة واحدة ولكن بأخلاق متنوعة. "
الأشجار الوردية بدورها باتت تطلب نجدة وزارة الفلاحة، ففاكهة الكرز الغنية بالأملاح المعدنية والمغنزيوم والنحاس صارت غنية بغبار المقالع وحشرات عصير أكبر مطارح الأزبال بالمغرب ومرجان معاصر الزيتون. وانتقلت ضيعات هذه الفاكهة المهمة إلى منطقة إيموزار.
وتحولت صفرو بذلك من مدينة للورديات إلى مدينة للعقارات والاحتجاجات والانتفاضات العديدة...
تراب مقالع الحجارة المطحونة والمحيط بحزام صفرو سبب أضرارا كثيرة للحجر والنبات و البشر...
يتداول ساكنة صفرو أن مدينتهم من ضمن المدن التي غضب عليها المرحوم الحسن الثاني، وهي مقولة تبريرية لا غير مدام جل ساكنة المدن المنكوبة لايفترون عن تكرارها ومادامت الملوك لاتبحث عن عداءات مجانية بينها وبين "رعيتها".
قطاعات عديدة بدأت تحاول الاقتراب من المواطن الصفريوي المتذمر، ويطالع زائر المدينة مؤخرا يافطات لطب المواطنة والقرب وصحافة القرب وأخرى مناسباتية تبشر بقوافل وحملات موسمية معزولة في محاولة واضحة لامتصاص الغضب وإطفاء لهيب أحاسيس القرف والتشييء والإهمال التي تستشعره ساكنة الإقليم.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة صفرو والتي اجتمع شمل صحافة الجهة بسببها يمكن عدها على رؤوس الأصابع ويفصل بين بعضها البعض عشرات الكيلومترات وهي لاتبتعد كثيرا عن تمويل خليات نحل وأقفاص أرانب وحضائر ماعزوتشييد دور الطالبة وبنايات صغيرة لتعاونيات نسوية. ويبقى أجمل المشاريع تمويل فرقة فولكلورية محلية وتزويدها ببنادير تحمل شعار المبادرة في امتهان كبير لروح المبادرة الملكية وإشارة مغرضة لضرورة "ضرب الطر" لكل المشاريع مهما قل حجمها وخف تأثيرها. نعم نعتز بثراتنا وتقافتنا الشعبية لكن ليس عبر ترجمة شعار " كولو العام زين" في أبهى صورة بنديرية مخجلة، ويظهر في الصورة حتى لا نتهم بأننا من هواة الفوتوشوب قائد فرقة "تمسمونت أولمو" بمنطقة عين الشكاك وبيده بندير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أشهر بنادير المملكة.
ولا نبخس من أهمية هذه الالتفاتة الملكية التي طالت آثارها بعض مستضعفي المملكة القابعين خارج التاريخ والجغرافيا، غير أننا ضد تنظير رئيس بلدية صفرو لصحافة تدخل البهجة والسرور في نفوس المواطنين مادامت المشاريع التنموية الاجتماعية والاقتصادية هي الكفيلة بانتزاع حزنهم وعبوسهم الدائم.
يبقى التأكيد في الآخير على أن محاربة الفقر والهشاشة تقتضي انخراطا شفافا ومسؤولا ودائما لكل فعاليات المجتمع، وانطلاقا ضروريا من تأهيل البنيات التحتية الضرورية للدواوير عبر شق الطرق وتقريب الإدارة من القرويين وتمويل المشاريع المدرة للدخل ذات المفعول المستمر والبعيد المدى، ومتابعة المشاريع المنجزة تقويما ومساءلة. ولاتفوتنا الفرصة للتذكير ببعض الأنشطة التي مولتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من باب المساءلة والاستغراب زطرح علامات استفهام عديدة:
ـ تنظيم الدوري الوطني الثاني في رياضة التكواندو 2008
ـ مشروع التنشيط الفني لفائدة شباب صفرو سنة 2009
ـ تنشيط رياضة الكاراطي سنة 2010
ـ"توسيع" مشروع إنتاج العسل وتربية النحل 2010
دون تجاهل مشاريع معدودة همت إحداث وحدات إنتاجية لتربية الماعز والأرانب،وبناء دور للفتاة،واقتناء سيارة طبية وأخرى لجمع الحليب وحافلة للفضاء الجمعوي...
جنس صحافي جديد:
بابتسامة صفراء وسيرة أكاديمية متألقة عاتب عبداللطيف معزوز رئيس بلدية صفرو ووزير التجارة الخارجية تهويل الصحافة الوطنية من حجم الأحداث التي عرفها إقليم صفرو وتأسف لكون تغطيات من هذا القبيل تبعد السائح والمستثمر، وفي المقابل التمس من الحاضرين الرهان على "الصحافة السارة المسرورة" أو الصحافة المبتسمة كما سماها، وشرحها بالصحافة التي تدخل السعادة على القارئ وتصيب القارئ بالانشراح وتصنع بلد السرور، بل واستطاع أن يميز في مداخلته بين الخبر السار والخبر غير السار،
ولعله جنس صحافي جديد يلزم معاهد التكوين الالتفاف إليه وتبويب مواده.
السيد الوزير عاتب صحافة الجهة على تغطيتها المجيشة للأحداث والانتفاضات التي يعرفها الإقليم بين الفينة والاخرى ونسي أن يجيب عن السؤال التالي: هل بإمكان الصحافة المرتزقة أن تطفئ لهيب الثورات وتبقي على الوضع القائم دون احتجاجات؟. وظهر جليا من خلال مداخلته أنه يدعو إلى إعلام لا نقل الصورة الحقيقية على الدوام بل يكفي أن يعطي صورة جميلة عن الأحداث التي يغطيها.
الملتقى بدوره أبدع في ابتكار مهام جديدة للإعلام المكتوب من قبيل:
دور الصحافة في خدمة التنمية المحلية والمجتمع والقضايا الوطنية وحقوق الإنسان والمشاريع الرائدة وتغطية أنشطة مسؤولي الإقليم.
وتناسى أن الدور الحقيقي للصحافة هو حماية المجتمع وعكس إكراهاته وفضح خروقات مسؤوليه ومنتخبيه وإسماع صوت وتظلمات مواطنيه ومستضعفيه.
الشاهد:
زرنا المدينة والنواحي،جالسنا الوزير والعامل والباشا والمسؤولين، استمعنا للعامل ولرؤساء المصالح...
لكن من يستمع لنبض وآهات المواطن الصفريوي البعيد عن أسرار الشأن العام ؟
من يقترب من مشكل الدور الآيلة للانهيار والأحياء المشبوهة ؟
من يصرخ في وجه المتواطئين والمتلاعبين وناهبي مال وتراب المدينة؟
صفرو قلعة المناضلين كما يسميها حقوقيو الإقليم، وهي ليست مدينتي الأم لكن أرفض أن يظل بها حيا حي شعبيا يدعى حي الأمل ينشط في السياحة الجنسية الرخيصة.
أرفض أن تبذر ميزانيه المبادرة الوطنية الخاصة بالإقليم في تمويل فرق للحيدوس وأخرى للكاراطي.
أرفض ان أغطي لقاء هاجسه جعل الصحافة الجهوية بنديرا آخرا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أرفض أن تستمر السلطة في فرض حضر على منزل المرحوم كريم الشايب الخياط ذي الواحد والعشرين سنة الكائن بغابة بلحمر بحي بنصفار أحد ضحايا أحداث عشرين فبراير.
أعترف أنني تورطت بحضوري لأشغال الملتقى السوريالي الذي لم يبق على المسافة اللازمة بينه وبين رجالات السلطة والسياسة والقرار وانبعثت منه روائح التملق والمداهنة والتودد لأعيان المدينة. لكن أحمد الله أنه أتيحت لي الفرصة لتقديم خدمة إخبارية لساكنة الإقليم .
ساكنة صفرو اعتادت أن تحمل الحجارة في تعبير نفسي داخلي عن مظاهر الاستغلال التي تتعرض لها تربتها المطحونة وميزانيتها المهدرة، ولها تاريخ مدون من الانتفاضات. لكن عوض أن ينقض الشباب على سجن المدينة المحلي ويتعرضون بالتكسير للممتلكات العامة والخاصة من سيارات للأجرة، وصيدليات ومختبرات تحميض الصور، وأعمدة الإنارة ووكالات بنكية، ومدارس عمومية ووكالات ومؤسسات رسمية، يجدر بهم الإنقضاض على مواصلة تعليمهم والانخراط الجدي والمسؤول في هيئات المجتمع السياسي والمدني ووقف الطريق على برلمانيي الإقليم وبلطجيته وعصاباته ولوبياته الذين جعلوا من تمثيل الإقليم شأنا أسريا ـ محمد زماط نموذجا ـ والبدء بتنقية المدينة من حي يشوه حديقة أورشليم المغرب يدعى حي "الأمل" ومن أسماء كثيرة لازالت تفقد "الأمل" في الأخذ بيد هذا الإقليم الغني بشباب طموح طافح بالغيرة والحركية والإبداع.
وهذا دين أهل صفرو علي.
نورالدين شكردة
c
Noureddine_chokrada@yahoo.fr