بعد مرور أربع سنوات عن إعلانها
أي
تفعيل لمضمون الرسالة الملكية السامية حول الرياضة ؟
بوابة فضاء الأطلس المتوسط
نظرا لأهميتها نعيد نشرها عسى
أن تنفع المؤمنين الرياضيين شر البلية و استحضار العقلنة الواجبة للنهوض ميدانيا و
عمليا بالشأن الرياضي الوطني الذي منظومته في حاجة الى تفعيل مقتضياتها خصوصا بعد نكبة "كان2013" التي تجري حاليا بجنوب أفريقيا ... إن كانت هناك فعلاا من نيات غيورة عن الوطن و الرياضة معا بعيدا
عن سياسة التسويف و تسويق الأحلام ...و نعني بها الرسالة
الملكية السامية التي كان قد وجهها صاحب الجلالة
الملك محمد السادس إلي المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة التي افتتحت بمدينة
في تاريخ 24 اكتوبر2008 و التي تعتبر مرجعا
أساسيا و منهجا فاعلا لاقتلاع الرياضة الوطنية و الارتقاء بها إلى مستويات فاضل.
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي
تلاها السيد محمد معتصم مستشار صاحب الجلالة في تلك المناسبة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا
رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه
المناظرة الوطنية الثانية من نوعها حول الرياضة المغربية، اعتبارا لما يحظى به هذا
القطاع، لدى جلالتنا، من بالغ العناية والاهتمام ولما نعلقه من آمال على هذا
الملتقى، في بلورة انطلاقة جديدة تكفل النهوض بأحوال الرياضة المغربية.
ولن يتأتى ذلك إلا بتجاوز ما يعيقها من اختلالات
منافية لنبل أهدافها ومناقضة لدورها الحيوي، في ترسيخ المواطنة الكريمة والغيرة
الوطنية وبناء مجتمع ديمقراطي حداثي سليم.
ومن التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي،
ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية ، من لدن بعض المتطفلين
عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم
تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها، جاعلين الفرق والأندية
التي يشرفون عليها بمثابة أسرتهم الكبيرة ولاعبيها في منزلة أبنائهم.
ويأتي انعقاد هذا الملتقى في ظرفية مطبوعة
بانشغال الرأي العام الوطني بما يعترض الرياضات الوطنية عامة من تقلبات تجسدها
النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا ولا يقبله كل ذي غيرة
وطنية ولا يمكن أن تحجبه، بأي حال من الأحوال، بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية.
أيتها السيدات والسادة;لا تخفى عليكم المكانة
التي تحتلها الرياضة بكل أنواعها وفنونها، في نفوس المغاربة، وتجذرها في هويتهم
الجماعية.
ذلكم أننا أمة شغوفة بالرياضة، معبأة، بكل
جماهيرها، لنصرة وتشجيع أبطالها، معتزة أيما اعتزاز بما يحققونه من إنجازات ورفع
علم المغرب خفاقا في الملتقيات الدولية.
كما أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا
من الحقوق الأساسية للإنسان. وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح
المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي
الاحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج
والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش.
واعتبارا لما تتوفر عليه بلادنا من رصيد زاخر في
الميدان الرياضي ; فإن الإشكال الملح المطروح على المهنيين والسلطات التي تتولى
تقنين وضبط القطاع الرياضي، يتمثل في التساؤل المشروع بشأن ما آلت إليه الرياضة
الوطنية من تدهور وما يلزم القيام به لتجاوز حالة الجمود وغياب النتائج التي
تعانيها.
إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته
الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز : إعادة النظر في نظام
الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع
التطورات التي يعرفها هذا القطاع ، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل ،
علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة
الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي.
ومما يزيد الأمر تعقيدا، أن أسلوب تنظيم
الممارسة الرياضية، في بلدنا، يعتمد على تدخل العديد من الفاعلين مع غياب التنسيق
فيما بينهم ، فضلا عن كون أغلبهم يمارسون نشاطهم ضمن إطار جمعوي يقوم أساسا على
مبدإ العمل التطوعي والهواية.
والأدهى والأمر، أن تحديد المسؤوليات غالبا ما
لا يتم بشكل واضح، في حين لا تتوفر عناصر الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير
الجامعات والأندية، ناهيك عن حالة الجمود التي تتسم بها بعض التنظيمات الرياضية
وضعف أو انعدام نسبة التجديد الذي تخضع له هيآتها التسييرية، وغالبا ما ينحصر
الخلاف ، حول التعاقب، في اعتبارات أو صراعات شخصية أو فئوية ضيقة.
ولتجاوز الأزمة الحالية، فإنه يتعين وضع نظام
عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي، يقوم على إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني
وتأهيل التنظيمات الرياضية للاحترافية ودمقرطة الهيآت المكلفة بالتسيير.
إن الوضع يتطلب، قبل كل شيء، اتخاذ التدابير
المؤسساتية والقانونية الملائمة لمواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة
العالمية، ولاسيما متطلبات تطوير الاحترافية.
كما ينبغي العمل على إيجاد نموذج ناجع يتيح
النهوض برياضة النخبة والرياضة الجماهيرية، في إطار من الانسجام والتناغم،
وإعطائهما معا نفس الاهتمام في السياسات الرياضية العمومية.
فرياضة النخبة تمكن من الارتقاء بالرياضة الوطنية
إلى مستويات عليا، تشكل مثالا يقتدى به، بالنسبة لعموم المواطنين.
في حين أن الرياضة الجماهيرية تعد شرطا أساسيا
لبناء مجتمع سليم، ومشتلا خصبا تنهل منه رياضة التباري مكوناتها وعناصرها.
كما يتعين بعث النشاط والحيوية، في شرايين
الحياة الجمعوية الرياضية والزيادة في أعداد المرخص لهم بممارسة الرياضة، بشكل
يتناسب وعدد سكان بلادنا ولاسيما منهم الشباب، فتيانا وفتيات باعتبارهم أبطال الغد.
وفي نفس السياق، يجب إعادة تأهيل الرياضة
المدرسية والجامعية، اعتبارا لدورها الريادي في الاكتشاف المبكر للمواهب المؤهلة
وصقلها.
وأمام الإهمال الذي أصبحت تعانيه، فإنه أصبح من
الملح جدا، الانكباب على وضعية هذه الرياضة المدرسية والجامعية بغية توسيع قاعدة
الولوج إليها وتحسين تجهيزاتها التحتية وشروط ممارستها، في إطار شراكة نموذجية بين
الفرق التأطيرية، داخل المؤسسات التربوية والهيآت الرياضية.
وكيفما كان الحال، فإن النتائج الجيدة لا يمكن
تحقيقها بدون تهييء جدي واحترافي للفرق الوطنية، للمنافسات القارية والجهوية
والدولية، كما أنها تتطلب ، بالضرورة ، التكوين الجيد والكفاءات في التأطير
القانوني والإداري.
بيد أن حجر الزاوية في الرياضة الحديثة، يظل هو
التمويل، لذلك، ندعو إلى تنويع مصادره ، سواء من خلال الرفع من الاعتمادات
العمومية المخصصة لقطاع الرياضة ، أو بعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص.
ونلح ،في هذا الشأن، على اعتماد وتعزيز آليات
المراقبة والافتحاص والمحاسبة، فهي النهج القويم لوضع حد للتعتيم الذي تعرفه مالية
العديد من الأندية وميزانية الجمعيات ولنزوعات التبذير وسوء التدبير، وغيرها من
الممارسات المخالفة للقانون وللروح الرياضية.
وعلاوة على ذلك، فحري بمناظرتكم الانكباب على
مسألة حيوية عنوانها العريض، الحاجة الملحة لقطاع الرياضة إلى تعزيز بنياته
التحتية. إذ برغم بعض التجهيزات العالية المستوى التي تتوفر عليها بلادنا أو التي
وجهنا حكومتنا لإيجادها ; فلابد من مضاعفة الجهود، لأن التعاطي للرياضة وتكوين
أبطالها صناعة.
وفي هذا الصدد، يندرج حرصنا على إيلاء تشييد
بنيات رياضية محلية، مكانة الأسبقية في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
وكذا البرامج التي تساهم فيها مؤسسة محمد الخامس للتضامن.
هدفنا الأسمى من ذلك، إحياء الممارسة الرياضية
في مدننا وقرانا وأحيائنا، خاصة الشعبية منها، باعتبارها المعين الذي لا ينضب
للرياضيين والمنبت المعطاء لكبار أبطالنا ممن مارسوا هوايتهم الرياضية بالقدم
الحافي وبالحركة العفوية والتلقائية وكان يكفيهم شرف حمل القميص الوطني ورفع راية
المغرب خفاقة في الملتقيات القارية والدولية على نغمات النشيد الوطني.
وإننا لندعو بالخصوص الجماعات المحلية والقطاع
الخاص، لأن يكونوا شركاء، بكل ما يعنيه ذلك من حضور والتزام وفعالية، في المخطط
المندمج الجديد لتنمية الرياضة المغربية : استراتيجية رياضية، ومجتمعا رياضيا،
واقتصادا رياضيا. وذلك في تضافر لجهودها مع السلطات العمومية وهيآت الحركة
الرياضية والأولمبية الوطنية.
كما أننا نريد أن يكون قطاع الرياضة، في بلادنا،
قطاعا للتجديد والإبداع المتميز، لذلك، ينبغي تشجيع الرياضات الجديدة، قصد
الاستفادة أكثر من المؤهلات الطبيعية للمملكة وإمكانات شبابها.
كما يتعين خلق مشاريع بناءة وذات قيمة مضافة
عالية، بالتشارك بين القطاع الرياضي وكل من قطاعات التعليم والصحة والسياحة
والثقافة والاتصال والجماعات المحلية.
و لا يفوتنا في هذا المقام، التأكيد على دور
الإعلام الرياضي في النهوض بهذا القطاع، باعتباره شريكا لا مندوحة عنه في نهضته
المنشودة.
فبفضل التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال،
صارت الرياضة تحظى بمتابعة واسعة تضعها تحت المجهر، لذلك، ندعو الإعلام الرياضي
إلى التعاطي مع الشأن الرياضي بكل مسؤولية وحرية وبموضوعية واحترافية، وكل ذلك في
التزام بأخلاقيات الرياضة والمهنة الإعلامية، بحيث ينتصر هذا الإعلام الوطني دوما
للنهوض بالرياضة والمثل السامية التي تقوم عليها.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كان من الصعب سد كل الثغرات التي يعاني
منها، مع كامل الأسف، قطاع الرياضة ببلادنا أمام تعدد الأسبقيات ; فإن التصدي لبعض
المشاكل يتطلب الحزم في التعامل معها، خاصة وأنها أصبحت تكتسي طابعا استعجاليا.
فالشعور بالإحباط وخيبة الأمل الذي تولده
الإخفاقات المتتالية للفرق الوطنية، لا يمكن أن يبرر ما تشهده الفضاءات والميادين
الرياضية ،أحيانا، من استفحال عدد من المظاهر المشينة، المرفوضة أخلاقيا وقانونيا
وأعمال العنف والاعتداء على الممتلكات العمومية والخاصة.
وكذلك الشأن بالنسبة لاستعمال المنشطات التي
تعتبر ظاهرة غريبة على تقاليدنا وثقافتنا ومحرمة قانونا وأخلاقا رياضية، لذلك ندعو
السلطات المختصة إلى محاربة هذه الممارسة بكل قوة والتزام الصرامة في ما يخص
معاقبة استعمالها وترويجها، تنفيذا لقوانيننا الوطنية والتزاماتنا الدولية.
معشر الرياضيين والرياضيات،
إن ثقتنا كبيرة في الإمكانيات الكبيرة للرياضة
المغربية، ومن هنا، لن نألو جهدا من أجل دعم كل المبادرات الحسنة التي تعمل جاهدة
على بلوغ هدفها الأسمى، المتمثل في جعل الرياضة المغربية نموذجا متميزا ومدرسة
حقيقية للحياة وللوطنية والمواطنة وعنصرا للتلاحم الاجتماعي ورافعة لإشعاعنا
الجهوي والدولي.
وإننا لا ننتظر من هذه المناظرة، الاكتفاء بمجرد
وضع تشخيص، مهما كان دقيقا لحال الرياضة المغربية أو الإطناب في التعبير الخطابي
عن الإصلاح النظري الذي يفضي، لا محالة، إلى الوقوع في مغبة ما دعونا إلى تجنبه من
الدوران في الحلقة المفرغة أو العبثية، لتغيير التغيير وإصلاح الإصلاح. بلى، إن
غيرتنا على قطاع الرياضة، تجعلنا نحثكم على أن تجعلوا هذه المناظرة قوة اقتراحية
تصدر عنها توصيات وجيهة واقتراحات عملية تكون في مستوى التحديات التي تواجه
رياضتنا الوطنية وتستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية ومواطنينا، في الداخل كما
الخارج، للمزيد من الإنجازات والبطولات.
لذا، فإننا نهيب بكافة الفاعلين المعنيين بهذا
القطاع، أن يتناولوا الموضوع بروح عالية من المسؤولية والجد والالتزام والثقة في
الذات وفي المؤهلات وبكثير من الطموح والتفاؤل، غايتكم المثلى، الاجتهاد في بلورة
أفضل السبل، لوضع استراتيجية وطنية للرياضة المغربية في إطار رؤية جماعية مسؤولة.
والله تعالى نسأل أن يسدد خطاكم ويتوج أشغالكم
بكامل التوفيق.
"والسلام
عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"