قضية و
موقف//
محمد عبيد (آزرو)
إنّ تأكيدَ أنّ "ﭐلإنسان" يَتحدَّد في وُجوده بهذا العالَم على أساس "ﭐلِاشتراك/ﭐلْمُشارَكة في ﭐلأرض كوطن له" يُغْفِل أنّ "ﭐلأرض"، بالنِّسبة إلى "ﭐلإنسان"، ليست "كُلّ ﭐلعالَم" وإنّما هي جُزء منه، وجُزء أصغر بكثير من أقرب الأجزاء ﭐلْمُماثِلة له في نظام المجموعة الشمسيّة وحدها. فالإنسان "مَوْجُودٌ-في-ﭐلعالَم"/ﭐلكَوْن.. وليس فقط في "كوكب ﭐلأرض" الذي لا وُجود له ولا ﭐستمرار إلا في إطار ذلك "ٱلعالَم" الفسيح الذي يُحيط به مُتجاوِزًا إيّاه والذي يَحكُمه كشرط موضوعيّ له.
ولهذا ف"ﭐلْمُواطَنة"، قبل أن تكون "مُشارَكة في
ٱلوطن"، هي بالأحرى "مُشارَكة في ﭐلْوُجود"، أيْ أنّها بالتّحديد
"مُواجَدة" في إطار "ﭐلوَضْع ﭐلبَشريّ" بكل ما يَحكُمه من
شُروط ويُميِّزه من مُقتضيَات ضمن ذلكـ "ﭐلعالَم" الذي لا يَنحصر في هذه
"ﭐلأرض".
حَقًّا، إنّ "ﭐلأرض" مُتعالِيَةٌ على "ﭐلإنسان" لكونها سابقةً لتعيُّنه الوُجوديّ. لكنّ كونَ "ماهيّة ﭐلإنسان" (أيْ حقيقته ﭐلْمُتصوَّرة عِلْمًا) سابقةً لتحقُّقه الأرضيّ يجعل "ﭐلإنسان" في جوهره مُتعاليًا على "ﭐلأرض"، ليس فقط لكون "ﭐلحياة" في مَبْدئها طارئةً على "ٱلأرض" من خارجها، بل أيضا من حيث إنّ "ٱلإنسان" يَحمل في وُجوده رُوحًا تتجاوز حُدودَ "ٱلأرض" وتبقى حتّى بعد فَناء جسمه كبَشر مُتأرِّض. فبالإنسان، إذًا، كانت "ﭐلأرض" أرضا وليس العكس، مِمّا يَجعل حَصْرَ "ﭐلْمُواطَنة" كما لو كانت مجرد مُشارَكة في ﭐلْوُجود ضمن "ﭐلوطن ﭐلأرضيّ" اختزالا لوُجود "ٱلإنسان" النوعيّ في هذا "ٱلعالَم" ك"وُجود-من أجل-ﭐلتّعالِي"
حَقًّا، إنّ "ﭐلأرض" مُتعالِيَةٌ على "ﭐلإنسان" لكونها سابقةً لتعيُّنه الوُجوديّ. لكنّ كونَ "ماهيّة ﭐلإنسان" (أيْ حقيقته ﭐلْمُتصوَّرة عِلْمًا) سابقةً لتحقُّقه الأرضيّ يجعل "ﭐلإنسان" في جوهره مُتعاليًا على "ﭐلأرض"، ليس فقط لكون "ﭐلحياة" في مَبْدئها طارئةً على "ٱلأرض" من خارجها، بل أيضا من حيث إنّ "ٱلإنسان" يَحمل في وُجوده رُوحًا تتجاوز حُدودَ "ٱلأرض" وتبقى حتّى بعد فَناء جسمه كبَشر مُتأرِّض. فبالإنسان، إذًا، كانت "ﭐلأرض" أرضا وليس العكس، مِمّا يَجعل حَصْرَ "ﭐلْمُواطَنة" كما لو كانت مجرد مُشارَكة في ﭐلْوُجود ضمن "ﭐلوطن ﭐلأرضيّ" اختزالا لوُجود "ٱلإنسان" النوعيّ في هذا "ٱلعالَم" ك"وُجود-من أجل-ﭐلتّعالِي"
"ﭐلمُواطَنة"
ليست مجرد "مُشارَكة في الوطن" و هي أيضا ليست ماهيّةً مُعطاةً بصفة
نهائيّة، بحيث ينبغي تثبيتُها وتوريثُها. إذ سواء تعلّق الأمر بالتّصور المُكوَّن
عنها أمْ بالقواعد القانونيّة و، عموما، بمجموع المؤسسات والمُمارَسات الاجتماعيّة
التي تُنَظِّمها، فهي لا تنفكّك تتطوّر. إنّها بناءٌ تاريخيّ.
فتعريفات المُواطَنة لا تَتواطأ، بل هي نتاجُ
صراعاتٍ وٱتِّفاقاتٍ بين تصوُّرات متنوعة وفئات ٱجتماعيّة مُتعارضة بحسب علاقات
القوّة التي تقوم بينها. لقد تطوّر تعريفُها عبر الزمن ولا يزال آخذًا في
التّطوُّر. وتتنوّع أشكالُها بين بلد وآخر. ورغم هذا، هناك سِمَةٌ مُشتركة في
المُواطَنة الْمُعاصرة تتمثّل في ٱفتراض كونها ذات بُعد كُليّ/كونيّ. (دومنيك
شناﭙر).
المواطنة عبارة عن جملة من القيم السياسية الوضعية التي تهدف، أصلا، إلى تقوية الشعور بالانتماء للمجتمع أو للدولة، وهو أمر محمود في ذاته، ولكنه يبقى سلوكا دنيويا خالصا، بينما المخالقة هي عبارة عن جملة من القيم الكلية التي فطر الله الإنسان عليها؛ وقد تتفرع عليها قيم أخرى وتقوم مقام الميزان الذي توزن به القيم الوضعية؛ وبهذا، فالإنسان أحوج إلى المخالقة منه إلى المواطنة، بل متى حصَّل المخالقة، استغنى عن تحصيل المواطنة، نظرا لأن كل مخالقة تلزم منها مواطنة خاصة تكون غايةً في النفع، لأنها تتأسس على صبغة ثابتة، لا على وضعية متغيرة، كما تكون غايةً في الاتساع، لأنها تنفتح على الآفاق الممتدة للعالم، ولا تنغلق داخل الحدود الضيقة للوطن. (طه عبد الرحمن، سؤال العمل، ص. 167-168).
"ٱلْمُواطَنة"، ٱبتداءً، لها دَلالةٌ قانونيّة يَتحدّد مُحتواها في أنّ "ٱلمُواطن" شخصٌ ذُو حقوق مدنيّة وسياسيّة بمُوجبها يَتمتّع بحُريّات فرديّة (حريّة الاعتقاد والتّعبير، حريّة التّنقُّل، الحق في الزواج، الحق في أن يُعَدّ بريئا ألا إذَا اعتقلته الشرطة وقُدِّم إلى الْمُحاكَمة و تمت ادانته بالمنسوب اليه ، الحق في أن يكون له مُحامٍ يُدافع عنه، الحق في أن يُحاكَم بقانون يَتساوى أمامه الجميع) وبحُقوق سياسيّة (حق الْمُشارَكة في الحياة السياسيّة وحقّ التّرشُّح لكل الْمَناصب والوظائف العامّة)، ممّا يَفرض عليه - في الْمُقابل- واجبات تُلزمه بأن يَحترم القوانين وبأن يُساهم في النّفقات العموميّة تَبعا لمَوارده وبأن يُدافع عن المجتمع الذي هو عُضو فيه إذَا تعرّض للتّهديد.
ويَترتّب على هذا التّحديد أنّ "ٱلمُواطن" ليس فردا مُتعيِّنًا، بل هو مفهوم مُجرَّد وعامّ يَتّسم بطابع كُليّ يَجعلُه يَنطبق على كل إنسان بِغضّ النظر عن أيّ مُحدِّدات ظَرفيّة وخاصة. وبالتالي، فإنّ "ٱلْمُواطَنة" هي "ٱلإنسانيّة" نفسُها منظورا إليها في خُصوصيّتها الكُليّة التي تُعتبَر مَصدرَ "ٱمتيازاتٍ" و"واجباتٍ" يَحِقّ لجميع أفراد "ٱلنّوع ٱلبَشريّ" أن يَتمتّعوا بها على سواء. فـٱشتراكُ النّاس بالتّساوِي في "مُقوِّمات ٱلإنسانيّة" هو أساس "ٱلْمُواطنة" في شُمولها لمجموع أعضاء ٱلْمُجتمع بصفتهم ذواتٍ قانونيّة وأخلاقيّة.
لكنّ كونَ النّاس مُضطرِّين للوُجود ضمن حيِّز أرضيّ مُحدَّد ومُحدِّد (هو "ٱلبلد" أو "ٱلوطن" بصفته يُشكِّل الإطار حيث يقوم النِّظام الاجتماعيّ والسياسيّ الذي يَسمح بتحقُّقهم كمُواطنين) أمرٌ يَجعل"ٱلْمُواطَنة" تَتعيَّن كنوع من"ٱلتّأرُّض/ٱلتّوطُّن"(تحيُّز مَكانيّ وزمانيّ في حُدود أرض/وطن ما) الذي من شأنه أن يَحُدّ من عُموميّتها وكَونيّتها بفعل خُضوعه لشُروط التّغيُّر والتّفاوُت الْمُلازِمة لواقع البُلدان والأوطان في تعدُّدها وٱختلافها. فهل "ٱلْمُواطَنة" وَضْعٌ قانونيّ ومَدنيّ تابِعٌ للمُشارَكة في سُكْنى الوطن كخُصوصيّة أمْ أنّها سَيْرورة إنسانيّة وكونيّة تُؤسَّس ٱجتماعيّا وسياسيّا بالشكل الذي يُمكِّن من تحقيق ما هو نَوعيّ وكُليّ ومُتعالٍ في ٱلْوُجود وٱلفعل الإنسانيَّيْن؟
إنّنا نجد أنّ "ٱلإنسان"، بما هو بَشرٌ ذُو جسم، يَتقوَّم ك"كائن أرضيّ". إذْ فضلا عن كون "ٱلأرض" تُمثِّل مُستقرَّ حياته ومَوْطنَ مَعاشه، فهو من طينها خُلِق وإليها يعود بعد الموت، ومنها يُبعَث يوم القيامة... غير أنّ "تَأْريض" الإنسان (بِنِسْبَته إلى الأرض) لا يُعبِّر عن كل ما هو جوهريّ فيه، لأنّ "ٱلإنسان" ليس مجرد «جسد بَشريّ»، وإنّما هو أيضا وبالأساس "رُوحٌ" ("نَفْخة رُوحيّة"). فخَلْقُه بُدِئ من طين ("وبَدَأ خَلْقَ الإنسان من طين." [السجدة: 7])، لكنّ تسويتَه لَمْ تَنْتهِ إلا بعد أن نُفخ فيه من "رُوح ٱللّـه" ("ثُمّ سَوّاه ونَفَخَ فيه من رُوحه." [السجدة: 9] ؛ "[...] فإذا سَوَّيْتُه ونَفختُ فيه من رُوحي، فَقَعُوا له ساجدين!" [الحِجْر: 29 وصَ: 72]). فالإنسان، إذًا، لا يَتحقّق كمجرد "كائن مُتأرِّض" لتعلُّق خَلْقه ومَعاشه بالأرض أو بصفته "كائنًا مُؤرِّضًا"لا يَفتأُ يُعلِّق وُجودَه وفعلَه بها، بل هو أيضا "مخلوقٌ سَماويٌّ ومُتسامٍ" بفعل تطلُّع رُوحه إلى "ٱلسّماء" طلبًا للانفكاك عمّا يَشدُّه إلى "ٱلأرض" وبحثًا عمّا يرفعه إلى مَعارِج "ٱلكمال".
وفي الوقت الذي يُصرُّ "أهلُ ﭐلغِرَّة باللّـه" على جعل "ﭐلإنسان" مجرد "دَابّة زاحفة" على الأرض إلى الحدّ الذي تجدهم يرون في الاستناد إلى "رسالة ﭐلسّماء" نوعا من الضلال والتَّضْليل، فإنّ "أهل ﭐلعِزَّة باللّـه" لا يَتصورُون وُجودَ الإنسان إلا في ﭐتِّصاله الدّائم بالسّماء كأنّه "مَلاكٌ طائر" يَسْبَح في أعاليها، بل إنّه ليُحلِّق دَوْمًا في أرجائها بغير جناحين من حيث إنّ قُدرتَه على "ٱلتّفكُّر" تأمُّلا وتخيُّلا لا تَنِي تجعلُه يَنفكُّـ عن حُدود تأرُّضه ليَنفتح على آفاق تَساميه تعبُّدًا وتخلُّقًا.
المواطنة عبارة عن جملة من القيم السياسية الوضعية التي تهدف، أصلا، إلى تقوية الشعور بالانتماء للمجتمع أو للدولة، وهو أمر محمود في ذاته، ولكنه يبقى سلوكا دنيويا خالصا، بينما المخالقة هي عبارة عن جملة من القيم الكلية التي فطر الله الإنسان عليها؛ وقد تتفرع عليها قيم أخرى وتقوم مقام الميزان الذي توزن به القيم الوضعية؛ وبهذا، فالإنسان أحوج إلى المخالقة منه إلى المواطنة، بل متى حصَّل المخالقة، استغنى عن تحصيل المواطنة، نظرا لأن كل مخالقة تلزم منها مواطنة خاصة تكون غايةً في النفع، لأنها تتأسس على صبغة ثابتة، لا على وضعية متغيرة، كما تكون غايةً في الاتساع، لأنها تنفتح على الآفاق الممتدة للعالم، ولا تنغلق داخل الحدود الضيقة للوطن. (طه عبد الرحمن، سؤال العمل، ص. 167-168).
"ٱلْمُواطَنة"، ٱبتداءً، لها دَلالةٌ قانونيّة يَتحدّد مُحتواها في أنّ "ٱلمُواطن" شخصٌ ذُو حقوق مدنيّة وسياسيّة بمُوجبها يَتمتّع بحُريّات فرديّة (حريّة الاعتقاد والتّعبير، حريّة التّنقُّل، الحق في الزواج، الحق في أن يُعَدّ بريئا ألا إذَا اعتقلته الشرطة وقُدِّم إلى الْمُحاكَمة و تمت ادانته بالمنسوب اليه ، الحق في أن يكون له مُحامٍ يُدافع عنه، الحق في أن يُحاكَم بقانون يَتساوى أمامه الجميع) وبحُقوق سياسيّة (حق الْمُشارَكة في الحياة السياسيّة وحقّ التّرشُّح لكل الْمَناصب والوظائف العامّة)، ممّا يَفرض عليه - في الْمُقابل- واجبات تُلزمه بأن يَحترم القوانين وبأن يُساهم في النّفقات العموميّة تَبعا لمَوارده وبأن يُدافع عن المجتمع الذي هو عُضو فيه إذَا تعرّض للتّهديد.
ويَترتّب على هذا التّحديد أنّ "ٱلمُواطن" ليس فردا مُتعيِّنًا، بل هو مفهوم مُجرَّد وعامّ يَتّسم بطابع كُليّ يَجعلُه يَنطبق على كل إنسان بِغضّ النظر عن أيّ مُحدِّدات ظَرفيّة وخاصة. وبالتالي، فإنّ "ٱلْمُواطَنة" هي "ٱلإنسانيّة" نفسُها منظورا إليها في خُصوصيّتها الكُليّة التي تُعتبَر مَصدرَ "ٱمتيازاتٍ" و"واجباتٍ" يَحِقّ لجميع أفراد "ٱلنّوع ٱلبَشريّ" أن يَتمتّعوا بها على سواء. فـٱشتراكُ النّاس بالتّساوِي في "مُقوِّمات ٱلإنسانيّة" هو أساس "ٱلْمُواطنة" في شُمولها لمجموع أعضاء ٱلْمُجتمع بصفتهم ذواتٍ قانونيّة وأخلاقيّة.
لكنّ كونَ النّاس مُضطرِّين للوُجود ضمن حيِّز أرضيّ مُحدَّد ومُحدِّد (هو "ٱلبلد" أو "ٱلوطن" بصفته يُشكِّل الإطار حيث يقوم النِّظام الاجتماعيّ والسياسيّ الذي يَسمح بتحقُّقهم كمُواطنين) أمرٌ يَجعل"ٱلْمُواطَنة" تَتعيَّن كنوع من"ٱلتّأرُّض/ٱلتّوطُّن"(تحيُّز مَكانيّ وزمانيّ في حُدود أرض/وطن ما) الذي من شأنه أن يَحُدّ من عُموميّتها وكَونيّتها بفعل خُضوعه لشُروط التّغيُّر والتّفاوُت الْمُلازِمة لواقع البُلدان والأوطان في تعدُّدها وٱختلافها. فهل "ٱلْمُواطَنة" وَضْعٌ قانونيّ ومَدنيّ تابِعٌ للمُشارَكة في سُكْنى الوطن كخُصوصيّة أمْ أنّها سَيْرورة إنسانيّة وكونيّة تُؤسَّس ٱجتماعيّا وسياسيّا بالشكل الذي يُمكِّن من تحقيق ما هو نَوعيّ وكُليّ ومُتعالٍ في ٱلْوُجود وٱلفعل الإنسانيَّيْن؟
إنّنا نجد أنّ "ٱلإنسان"، بما هو بَشرٌ ذُو جسم، يَتقوَّم ك"كائن أرضيّ". إذْ فضلا عن كون "ٱلأرض" تُمثِّل مُستقرَّ حياته ومَوْطنَ مَعاشه، فهو من طينها خُلِق وإليها يعود بعد الموت، ومنها يُبعَث يوم القيامة... غير أنّ "تَأْريض" الإنسان (بِنِسْبَته إلى الأرض) لا يُعبِّر عن كل ما هو جوهريّ فيه، لأنّ "ٱلإنسان" ليس مجرد «جسد بَشريّ»، وإنّما هو أيضا وبالأساس "رُوحٌ" ("نَفْخة رُوحيّة"). فخَلْقُه بُدِئ من طين ("وبَدَأ خَلْقَ الإنسان من طين." [السجدة: 7])، لكنّ تسويتَه لَمْ تَنْتهِ إلا بعد أن نُفخ فيه من "رُوح ٱللّـه" ("ثُمّ سَوّاه ونَفَخَ فيه من رُوحه." [السجدة: 9] ؛ "[...] فإذا سَوَّيْتُه ونَفختُ فيه من رُوحي، فَقَعُوا له ساجدين!" [الحِجْر: 29 وصَ: 72]). فالإنسان، إذًا، لا يَتحقّق كمجرد "كائن مُتأرِّض" لتعلُّق خَلْقه ومَعاشه بالأرض أو بصفته "كائنًا مُؤرِّضًا"لا يَفتأُ يُعلِّق وُجودَه وفعلَه بها، بل هو أيضا "مخلوقٌ سَماويٌّ ومُتسامٍ" بفعل تطلُّع رُوحه إلى "ٱلسّماء" طلبًا للانفكاك عمّا يَشدُّه إلى "ٱلأرض" وبحثًا عمّا يرفعه إلى مَعارِج "ٱلكمال".
وفي الوقت الذي يُصرُّ "أهلُ ﭐلغِرَّة باللّـه" على جعل "ﭐلإنسان" مجرد "دَابّة زاحفة" على الأرض إلى الحدّ الذي تجدهم يرون في الاستناد إلى "رسالة ﭐلسّماء" نوعا من الضلال والتَّضْليل، فإنّ "أهل ﭐلعِزَّة باللّـه" لا يَتصورُون وُجودَ الإنسان إلا في ﭐتِّصاله الدّائم بالسّماء كأنّه "مَلاكٌ طائر" يَسْبَح في أعاليها، بل إنّه ليُحلِّق دَوْمًا في أرجائها بغير جناحين من حيث إنّ قُدرتَه على "ٱلتّفكُّر" تأمُّلا وتخيُّلا لا تَنِي تجعلُه يَنفكُّـ عن حُدود تأرُّضه ليَنفتح على آفاق تَساميه تعبُّدًا وتخلُّقًا.
إنّ "ٱلْمُواطَنة/ٱلْمُخالَقة"
تُمكِّننا من تجاوُز المفهوم النمطيّ لـ"ٱلْمُواطن" الذي نجد أنّ كونه
يُحدّد ك -"شخص ذي حُقوق وواجبات باعتباره مُشارِكا مُساويًا لأمثاله من
سُكّان "ٱلْمَدينة/ٱلوطن".- يجعله ذلك "ٱلْمُنافِس/ٱلْمُنازِع"
في كل ما يُعدّ حقًّا وٱمتيازًا. ولذا، لا يكاد "ٱلْمُواطن" يَتجلّى، في
الواقع الفعليّ، إلا بصفته "ٱلآخَر" الذي يَملِك ما لا أملك أو الذي يجب
ألّا يَمْلِك ما يَخُصّني على الرغم من أنّ التّصوُّر المجرد يفرض أن يكون كل
مُواطن مُساوِيًا لأمثاله في الحُقوق والواجبات. ذلك بأنّ الحياة الاجتماعيّة
للنّاس لا تنفكُّ عن التّفاوُت والتّغايُر من حيث إنّ "ٱلحقّ/ٱلواجب"
ليس تنزيلا آليًّا لمِثال مُجرّد، وإنّما هو تعامُل تدبيريّ وتفاوُضيّ مع واقع
مُعقّد ومُستعصٍ يَتجلّى كلانهائيّة من الفُرُوق والنّواقص. إذا ما استحضرنا آن هناك مفهوم مُنفتح يقوم على أنّ
"ٱلْمُواطن" صيرورةٌ قانونيّة وأخلاقيّة مُلازِمة لسيرورة
"ٱلتَّرْشيد" في ٱقتضائها لإقامة "ٱلْمَعقوليّة"
و"ٱلْمَسؤوليّة" في صُورةِ واقع موضوعيّ ومُؤسَّسيّ يَسمح بـ"خوض
ٱلْمُغالَبة في ٱلجُهد ٱلعُمرانيّ على نحو أخلاقيّ"، أيْ
ك"مُخالَقة". فليس "ٱلْمُواطن" صُورةً مُثلى وشَكْليّة تجعل
"ٱلإنسانيّة" مِلْكا مُشاعًا بلا قيد ولا شرط، بل هو صُورةٌ حيّة ومُشخّصة
في سياقٍ تفاعُليّ وتداوُليّ يَربط "ٱلتّأنُّس" بالْمُعامَلة مُجاهَدةً
ومُخالَقةً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق