نهاية المخْزن أم نهاية الشعب؟
البوابة الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد
جريدة المساء/العدد :2511 - 2014/10/25
في زمن ما، كانت الزيادة في الأسعار في المغرب قضية خطيرة، فلا أحد كان بإمكانه أن يعرف ما ستؤول إليه الأوضاع بعد الزيادة، هل ستقوم ثورة كاملة الأوصاف، أم ستعرف البلاد اضطرابات محدودة، أم سيبلع الناس ريقهم ويلعنون مسؤوليهم وينتهي الأمر.
في تلك السنوات، التي تبدو بعيدة، وما هي ببعيدة، كان المواطن بمجرد أن يكتشف الزيادة في سعر سلعة استهلاكية أساسية، يخبر جاره، والجار يخبر الجار، وتتحول القضية إلى مسألة مصيرية، فتتدخل الأحزاب والنقابات، ثم تشتعل الأوضاع ويقول الفاعلون ليتنا ما فعلناها، ومع ذلك كانوا دائما يفعلونها.
الزيادات في الأسعار في تلك الأيام كانت تتم بطرق رسمية، وغالبا ما كان كبار المسؤولين الحكوميين يعلنون عنها في ظهور رسمي على التلفزيون، حيث «يزفون» الزيادات إلى الشعب كما «يزفون» إليه خبر نعي. ومرة فعلها الحسن الثاني نفسه، فاستوى على كرسيه أمام شاشة التلفزيون وعدّد المواد الغذائية واحدة واحدة، وزاد في كل مادة مبلغا لا يقل عن درهم، فكان ما كان، وصارت البلاد على شفا حرب أهلية لم يتم الخروج منها إلا بآلاف الضحايا في تلك الأيام الحزينة التي لاتزال تـُعرف اليوم بانتفاضة يونيو 1981.
خلال تلك الأيام التي كان المغرب فيها يغلي فوق فم تنين غاضب، لم يجد وزير الداخلية آنذاك، واسمه لمن نسيه.. ادريس البصري، من صفة يطلقها على شهداء الكرامة سوى «شهداء كوميرا»، في دلالة على أن الضحايا ماتوا من أجل هدف واحد هو «الكوميرا»، فكانت تلك التسمية، ولازالت، دليلا على الاحتقار الذي يكنه الحاكمون للمحكومين.
كانت أياما رهيبة، لو تكررت اليوم لذهب كل شيء في شربة ماء، لكن لكل زمن سننه ولكل مرحلة قواميسها؛ فقد ذهبت تلك الأيام وجاءت أيام أخرى بدا فيها المغاربة وكأنهم استبدلوا بشعب آخر، شعب تنطبق عليه عبارة «لا أبالي»، شعب دخلت فيه السكين حتى العظم ويتصرف وكأنه ينافس شعب السويد في الرفاهية.
اليوم، يستفيق المواطن فيجد كومة من المواد الغذائية قد ارتفع ثمنها بين ليلة وضحاها، فيكتفي ببعض الغمغمة وينظر حواليه حتى لا يسمعه أحد، ثم يشتري ويؤدي الثمن كاملا غير ناقص، فالزمن لم يعد زمن احتجاج ولا زمن انتفاضات ومظاهرات.. هذا الزمن هو زمن «شوف واسكت» واقبل بما هو كائن لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
في الماضي كان الوضع صعبا للغاية، فالسجون والمعتقلات السرية والعلنية كانت مفتوحة في وجه الجميع، سواء فعلوا أو لم يفعلوا، وسواء تظاهروا أو لم يتظاهروا، لكن الجرأة كانت أكبر والناس كانوا أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم، مع أن الزمن كان زمن خوف، والسلطة كانت متجبرة بشكل غريب، والاعتقالات والاختطافات كانت تتم ليل نهار وأمام عيون العالم الذي لم يكن يأبه للشعوب الرازحة تحت تجبر الدكتاتوريات.
اليوم، يبدو المغاربة أكثر تحررا وأكثر قدرة على الكلام، لكنهم لا يريدون أن يتحرروا ولا يريدون أن يتكلموا.. إنهم يرون كل يوم الأسعار تلتهب أمام عيونهم، فيقبلون بذلك وكأن الزيادة في الأسعار تمت بوحي من السماء، ويرون كل يوم تجبر الفساد فيصمتون وكأن الانتفاضة ضد الفساد جريمة، ويرون في كل مناسبة أن الانتخابات لاتزال كما كانت.. مسرحية متكاملة المشاهد والأدوار، فيقبلون بها وكأن وضع ورقة تافهة في صندوق تافه أقدس من البصق في وجوه اللصوص والفاسدين.
في الماضي، كانت النقابات والأحزاب تمارس حربا حقيقة من أجل الشعب والعمال، وكان كثيرون من قيادات الأحزاب المناضلة (وليس بائعي الماتْشات) يبيتون كل يوم في مكان مختلف تجنبا للاعتقال، إلى أن دارت الدوائر فصارت الأحزاب والنقابات جزءا لا يتجزأ من اللعبة، وأصبح اليمين كاليسار واليسار كالوسط والوجه كالرجْل والجوْرب كالطربوش.
اليوم، انسحب الجميع وتركوا المهمة للفراغ لكي يفعل ما يشاء؛ وحين يحكم الفراغ فإنه يجب أن نتوقع الكارثة. اليوم، انسحب النضال من الشارع وسكن «الفيسبوك»، فتوهّم الناس أنهم انتصروا، لذلك قال محمد اليازغي يوما، عندما كان رئيسا لحزب الاتحاد الاشتراكي، إن «المخْزن انتهى»، وربما لم يكن يدرك أن الذي انتهى، فعلا، هو الشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق