أجساد تحت ظل إبليس
قضية و موقف//
كثيرا ما
ينخدع المرء أمام هيئة إنسان بمنظر لائق جذاب وإن خلقا (كما صوره الله في خلقه)
سيما عندما يرتدي هذا الخلق هنداما اكثر جاذبية للأدب والاحترام والتقدير لدى كل
ناظريه... أشخاص يضطربون في المجتمع له علائق ولهم أحاسيس، و لهم رأى وأهداف وهم
الى ذلك براغماتيون.. لكن بمجرد الاحتكاك بهاته الأجساد تكتشف أنها أجساد تحت ظل
إبليس... مظاهرها خادعة.. كلها مظاهر كذابة، خادعة ومزيفة، إنها كالغمام في الصيف
سرعان ما ينقشع، وكسرابٍ بقيعة سرعان ما ينكشف، فلا مطر في الأولى ولا ماء في
الثانية.. سيما ممن يدعون أنهم أصحاب مراكز قرار في أكثر من مسؤولية إن إيديولوجية أو اإدارية ...إنهم في غالبهم يلتفون حول المنصب، ويتطلعون نحو المركز، ويصفقون
لصاحب السلطة، ويهتفون لحامل العصا، أو صاحب الجزرة، يطمعون أو يخافون لا فرق، وهم
أول المنقلبين، وأشد المعادين، وأكثر المعذبين، فلا فضل يحفظون، ولا قيمة يبقون،
ولا ماضي يحفظون... إنهم كغثاء السيل يتبدد، وكزبد البحر يذهب جفاءً..فلا خيرية في
أكثرية، ولا دونية في أقلية، فلا غبار دماً ينقشع عن جيشٍ لجبٍ، بل قد يثيره قطيعُ
غنمٍ، ولا فلاح في صوتٍ عالٍ، ولا خسارة مع صوتٍ خاف، ولا نصر بالتصفيق، ولا
علو بالتطبيل، والجاهل من تأخذه الجوقة، وتسكره الصرخة، والعاقل من يدرك أنه القوة
بحق، والفعل بصدق، وإن كان وحده، خافت الصوت، مجرداً من السلطة، محروماً من
المؤيدين، فلا من يصفق له ولا من يهلل معه، فهو على يقينٍ بأنه سيأتي اليوم الذي
فيه يدفنوه، وفي جوف الأرض يواروه، وعليه سيهيلون التراب، وسيسكبون فوق قبره بعض
الماء، ثم يغادرونه، ولا يلتفتون إليه من جديد، إلا عبرةً أو درساً... فهل نعتبر
جميعاً، القائد صاحب الصورة المرفوعة، والجاهل حامل الصورة المغرورة.
عجباً
لأشخاصٍ ينصبون أنفسهم فقهاء في كل شيء، ويظهرون بين العباد قضاةً، يصدرون
الأحكام، ويصنفون الناس، ويهمشون الطاقات، ويبتذلون القدرات، ويستهينون بغيرهم وإن
كانوا أفضل منهم، وأكثر وعياً وأبين رأياً، وأعقل سلوكاً وأعمق فهماً.
لكنهم لا
يرون غيرهم، ولا يؤمنون بسواهم، ولا يعتبرون أحداً قد ينافسهم، أو قد يكون أفضل
منهم، وأكثر نفعاً منهم، وأصدق نفساً وأخلص قلباً وعملاً منهم.
إنهم
يسيرون بكبرياء، ويتحركون بعجبٍ وخيلاء، ويتحدثون باستعلاء، وينظرون إلى الناس
بخفةٍ وازدراء، ويستهزؤون بالآخرين وينسون طبيعتهم الشوهاء، وربما مشيتهم العرجاء،
ولكنتهم العوجاء... يجعلون من فهمهم معياراً، وينصبون عقولهم ضابطاً ومقياساً،
يضحكون من كل رأي، ويستخفون بكل قول، ويستهينون بأي رد، ويضحكون من كل جهد، ولا
يرون الفعل إلا فعلهم، ولا يكون الإفحام إلا بقلمهم، ولا يتحقق شفاء القلوب إلا
بمدادهم، ولا تطمئن النفوس إلا بحد أقلامهم، وخشونة مفرداتهم، وحدة كلماتهم،
وبذاءة ألفاظهم، وسوء خلقهم، وما فحش وساء من أسلوبهم... يرون الفهم هم، والوعي
لهم، والإدراك تصوغه مداركهم، والحق معهم، والصواب لا يفارقهم، والحكمة ما بان من
شفاههم،ويدعون أن العقل خلق من أجلهم، وبرأ الله المنسم لهم وحدهم وأسكنه في
جماجمهم، فلا يجود الزمان بمثلهم، ولا تعرف الجوزاء إلا صوت نعالهم، ولا تقل
السماء إلا ندرةً أمثالهم، ولا تقل الأرض ولا يجوز لها إلا لهم، أو لمن تغنى
برسمهم، وأعجب بلفظهم، ورفع صورهم، ورأى أنهم السيف البتار، والعقل القاهر الجبار،
والقلم القاطع لكل متقولٍ هذار...يتبجحون بها في حياتهم العملية التي يغلب عليها
الإنغلاق والإقصاء والانتقام والنظر بدونية إلى الآخر المختلف وممارسة الإرهاب
الفكري فيسعون إلى تصفية كل مخالف لهم بما اوتوا من طرق مشروعة و غير مشروعة مع أن
الديموقراطية الليبرالية هي احترام الآخر وعدم تكفيره أو إدانته أو إلغائه، فهي
تقوم على الحوار والاختلاف. وأخشى ما أخشى أن ياتي اليوم الذي تنتهي فيه صلاحية
النافذين منهم كأي علبة سردين ويصرفوا وجوههم عنهم ..
ألا يرون
أنهم مسكونون بالغرور، ومحكومون بالجهل، ويتطلعون فقط إلى المرآة والظهور، ويبحثون
عن الصورة والذكر، والخبر الحدث، وإن لم يكونوا صناعه أو أربابه، ولا يفهمون من
الحياة إلا أخيلةً وصور، ولا تحركهم إلا ضحالاتٌ وسرابٌ يقربهم ومن غرر بهم إلى
الحفر، ويودي بهم وبمن صفق لهم إلى هلاكٍ وسقر، ويأخذون معهم من شجعهم وغرر بهم
إلى ذات الوادي الذي سيكون لهم ولأمثالهم مستقر، وهذا واقعٌ لا محالة، فلا مهرب
منه ولا مفر.
الغرور
والكبر، غرورٌ يقتل النفس ويوردها المهالك، ويفقدها ما بين أيديها من المنافع
والمكاسب، ويخسرها أبسط الأشياء وأنفس المحاسن... وكبرياءٌ يقود إلى العزلة، ويلغي
الألفة، ويحرم من الحب والمودة، ويخلق الكره، ويصنع الحقد، ويودي بكل ما كسب عبر
الأيام من خيرِ ودٍ، وما حققه من طيبِ كدٍ.
وكلاهما،
المغرور والمتكبر... يظنُ أنه الفائز، وأنه الصائب والناجي، وأنه على الحق وعلى
الصواب، وأنه الناجح والفالح، وأنه الكاسب والرابح، وأنه المؤيد بالنصر، والمصون
بالمحبة .....
لكنه
كغيره، مخدوعٌ وكاذب ... فكونوا بأمثالهم رحماء، ومعهم ناصحين صادقين، أمحضوهم
النصح ولو كان قاسياً، وأخلصوا لهم القول ولو كان مباشراً، وقولوا لهم بوضوحٍ
وصراحة، أنكم جهلاء .... فلا تكونوا أيضاً سفهاء ...
فهل صرنا
نسبح فوق الكرة الأرضية عوض السير عليها بقدمين، حتى أننا صرنا كائنات محلقه في
السماء تتنقل عبر خيوط العنكبوت؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق