الأربعاء، 22 أغسطس 2012

رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة عبد اﻹله بنكيران
التكريس الدستوري للرياضة في انتظار التفعيل؟
من إعـــداد : الأستاذ محمد بن الماحي
رئيس الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات

تحية احترام و تقدير وبعد،
السيد رئيس الحكومة المحترم،
 يسعدني أن أغتنم هذه الفرصة الثمينة لأوجه عبركم تحياتي الخاصة لكل المغاربة بمناسبة عيد الفطر، و كل أملي أن تكون الأيام القليلة القادمة حبلى بأجوبة مواطنة على كل الانتظارات التي ظل يتطلع إليها مغاربة وذلك من أجل النهوض بالرياضة .
التكريس الدستوري للرياضة في انتظار التفعيل.
من إعـــداد :
الأستاذ محمد بن الماحي
رئيس الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات

تعتبر الرياضة ظاهرة وجودية وقيمة سامية لا يمكن الاستغناء عنها، فلم يعد ينظر إليها كمجرد وسيلة للترفيه فقط بل أصبح مفهومها واسعا يتداخل فيه ماهو ترفيهي- صحي بما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي وهو ما يجعلها محورا فاعلا ومؤثرا بين مختلف الفاعلين في المجتمع.
إن التكريس ا لدستوري للرياضة المغربية اليوم ماهو إلا اعتراف لدورها الهام في حياة الشعوب وهو دعوة صريحة لتجاوز الواقع المرير الذي تتخبط فيه اغلب الرياضات الوطنية.
 1- دور الرياضة إ ن اعتبار الرياضة من القطاعات الحيوية لكل بلد يرجع لدورها الهام سواء على الصعيد الفردي أو الوطني أو العالمي.
أولا: على المستوى الفردي إن الرياضة هي التي بإمكانها أن تعزز من قدرات الفرد الشخصية وتجعله يتحكم في ذاته، فممارستها يعتبر الوسيلة والأداة الأمثل لغرس مجموعة من القيم التي يفتقد لها الإنسان في عصرنا الحالي الذي طغت عليه الماديات بشكل صارخ، وهكذا فقيم التضامن والتسامح و الحس الجماعي واحترام قواعد النظام العام واحترام الآخرين لا يمكن غرسها بطريقة سلسة إلا بالتعاطي للرياضة.
ثانيا: على الصعيد الوطني تساهم الرياضة بشكل واضح في النمو الاقتصادي و الاجتماعي فلا احد يشك في دورها في تعزيز التعاون بين قطاعات المجتمع المدني ، فالدولة ملزمة بتشجيع الهيئات الرياضية المحلية على تنفيذ مبادرات شراكة بهدف دعم مشاريع التنمية المستندة إلى الرياضة وذلك من أجل و تحقيق أهداف الألفية الثالثة للتنمية. أن تحقيق أهداف الألفية الثالثة مرهون بمساهمة المرأة في قاطرة التنمية، ومن هذا المنطلق فإن الرياضة تعتبر أداة مهمة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من الاندماج في المجتمع
 ثالثا: على الصعيد العالمي لا يخفى دورها في التقريب بين المجتمعات و ذلك بإلغاء كل مظاهر الاختلافات العرقية والدينية بين الدول مما يساعد على الحفاظ على السلم العالمي وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي عالمي قوي مبني على خلق شراكات إستراتيجية بين الدول.
 2- واقع الرياضة المغربية إن الأدوار الكبرى للرياضة على شموليتها ووضوحها لا يبدو أنها أخذت بعين الاعتبار، فإلى حدود الأمس القريب كانت الرياضة تعتبر قطاعا ثانويا في السياسات الحكومية - فباستثناء كرة القدم التي تعطى لها أهمية كبرى فإن باقي الرياضات لا تعطى لها نفس الأهمية - مقارنة مع قطاعات أخرى كالأخرى كالتعليم و الصحة. السنوات الأخيرة عرفت تراجعا وتقهقرا للرياضة المغربية، خصوصا تلك الرياضات التي كان المغرب يعتمد عليها في الملتقيات الدولية ( ألعاب القوى وكرة القدم) وهو ما جعل الرياضة المغربية تصل في الآونة الأخيرة إلى ما يمكن أن نسميه الاحتضار الرياضي لولا الدور الكبير والنتائج المتميزة التي تحصل عليها بعض الرياضات؛ رياضة سباق الدراجات نموذج لهذه الرياضات التي عادة إلى الواجهة الوطنية و الدولية بتألقها في مختلف المحافل بالرغم من ضعف الإمكانيات المادية المتاحة لها.
فبالرغم من أن الرياضة تعتبر من أهم أوراش التنمية البشرية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ سنة 2005 وبالرغم من تنصيص الميثاق الجماعي (الفصل 41) على وجوب إحداث لجنة رياضية ضمن اللجن الدائمة للجماعة، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإحداث إقلاع حقيقي للرياضة الوطنية أو على الأقل الرجوع بها إلى مكانتها السابقة.
 أمام هذا الواقع المرير الذي تعيشه الرياضة الوطنية جاءت الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية للرياضة التي انعقدت بالصخيرات سنة 2008 لتدق ناقوس الخطر وتثير الانتباء إلى ما تعانيه الرياضة الوطنية. ففي رسالته و التي قال عنها جلالته بأنها " تأتي في وقت تشهد فيها الرياضة المغربية تراجعات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا، ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية، ولا يمكن أن تحجبه بأي حال من الأحوال بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية"، منتقدا ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور مطالبا بضرورة إعادة تأهيل الرياضة المدرسية والجامعية اعتبارا لدورها الريادي في الاكتشاف المبكر للمواهب.
 3- الارتقاء بالرياضة إلى مستوى الحق الدستوري إن ملامسة الرياضة للشريحة الأكبر في المجتمع ألا وهي فئة الشباب تجعل منها بيت الداء الذي يجب علاجه وإصلاح أعطابه. فالارتقاء بالرياضة إلى مستوى الحق الدستوري ما هو إلا اعتراف من المشرع الدستوري على الأهمية الكبرى للشباب في تقدم المجتمع ورفاهيته.
 إن هذه المرتبة الدستورية تأتي تماشيا مع ما وصلت إليه تشريعات الدول المتقدمة في هذا المجال و في خضم الحراك الشعبي الذي يشهده العالم بصفة عامة و العربي بصفة خاصة في إطار ما يصطلح عليه الربيع العربي. فالمنظمات الدولية كاليونسكوUNESCOتعمل على جعل الرياضة وسيلة لتوطيد الروابط وتعزيز القيم العليا للسلام والأخوة التضامن وبعبارة أوسع فهي تسعى إلى تسخير الرياضة من اجل التنمية السلام.
 الجمعية العامة للأمم المتحدة جعلت الرياضة في صلب برامج التنمية على مختلف الأوجه وأساسا للتضامن و التعاون والشراكات بين مختلف قطاعات المجتمع المدني. وهكذا فبعد أن أشار المشرع المغربي في الفص 26 من الدستور الجديد إلى ضرورة أن تدعم السلطات العمومية النهوض بالرياضة وتطويرها بأسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة شأنها شأن القطاعات الثقافية والفنية والبحث العلمي، دعا الدولة والمؤسسات العمومية و الجماعات الترابية إلى تعبئة الوسائل المتاحة بغية تيسير أسباب استفادة جميع المواطنين على قدم المساوات من الاستفادة من مجموعة من الحقوق من بينها التربية البدنية ( الفصل 31)، كل هذا دون إغفال تذكير الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسر ولوج الشباب للثقافة و العلم والتكنولوجيا والفن والرياضة ( الفصل 33).
 بهذا التنصيص أصبحت الرياضة تتوفر على المكانة اللائقة بها في الهرم التشريعي المغربي وإذا أضفنا غلى كل هذا كون المغرب أصبح مطالبا بالعمل ضمن جميع الهيئات والمنظمات الدولية و ملزما بتطبيق جميع الاتفاقيات الدولية خصوصا بعد تنصيصه بصراحة على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها على القانون الوطني.
 4- دور الحكومة والفعاليات الوطنية في تنزيل مضامين الدستور إن تنزيل مضامين الدستور المتعلقة بالرياضة له أهمية كبرى لا تقل عن القطاعات الأخرى ويقتضي توافر إرادة حقيقة لدى كل المسؤولين المعنيين بهذا القطاع.
إن الحكومة الحالية تتوفر على فرصة نادرة للرقي بالرياضة الوطنية إلى مصاف الدول المتقدمة، خصوصا وأنها المعنية الأولى بوضع القوانين التنظيمية الكفيلة بتنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالرياضة. إن توفير شروط الإقلاع الحقيقي لهذا القطاع يقتضي إشراك جميع الفعاليات المتخصصة والغيورة في إعداد السياسات الحكومية في هذا المجال وما يفرضه ذلك من إطلاع على تجارب بعض الدول التي نجحت في الوصول بالرياضة إلى فاعل أساسي ومؤثر في المجتمع سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية. كما أن تأكيد البرنامج الحكومي على التزام الحكومة بإرساء سياسة رياضية شاملة تستجيب لحاجيات المجتمع يقتضي إرادة سياسية فعلية واقعية عن طريق وضع برامج واضحة المعالم بإمكانها إخراج الرياضة الوطنية من النفق المظلم الذي تتخبط فيه. إن تزيل مقتضيات الدستور على أرض الواقع يقتضي اعتماد نوع من الشفافية و تفعيل مبدأ الحكامة في تدبير هذا القطاع، فبدون هذين المبدأين فإنه من الصعب الكشف عن مكامن الخلل في تدبير هذا القطاع.
 إن هذه اللحظة تستدعي الإسراع بتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بإنشاء المجلس الأعلى للشباب وذلك من أجل النهوض بهذا القطاع الذي يهم الشريحة الكبر من المجتمع المغربي ألا وهي الشباب، كما تستدعي إشراكا حقيقيا للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي على اعتبار أن الرياضة تعتبر من بين أهم الأنشطة ذات البعد التربوي الثقافي والاقتصادي و الاجتماعي. إن النهوض بهذا القطاع يقتضي توافر عدة عوامل مادية وفنية وبشرية، فالعوامل المادة تقتضي الرفع من الميزانية المخصصة لهذه الوزارة الوصية وما يتناسب و ووضعها القانوني الجديد، لهذا نقترح تخصيص نسبة 5 في المائة من ميزانية الدولة لهذا القطاع. أما على المستوى المحلي فنقترح جعل 10 في المائة من ميزانيات الجماعات الترابية خاصة بالنهوض بالرياضة الوطنية. وأخير فإن السلطة الرابعة لها دور كبير في هذا الإقلاع الحقيقي الذي عبر عنه البرنامج الحكومي، فالإعلام العقلاني والمتوازن هو الكفيل بصنع أبطال حقيقيين أو أبطال من ورق، فالإعلام مطالب بأن يعطي الاهتمام لجميع الرياضات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق