الأربعاء، 9 يناير 2013


الغابة أكبر دعائم التنمية بمنطقة آزرو

آزرو- محمد عبيد
إن حاجيات الجماعات البشرية الى الطبيعة واضح لا يحتاج إلى برهنة، فتدخلات الانسان داخل البيئة لسد حاجياته و متطلباته اتخذت أبعادا ضخمة ، الشيء الذي يؤدي إلى الاختلال بالتوازن الطبيعي، فالبيئة اليوم لم تعد بيئة طبيعية و لكن في الحقيقة بيئة محدثة من قبل الإنسان..
و إذا كانت الغابات عنصرا من عناصر هذه الطبيعة، فإنها ظلت مصدرا هاما لأغلب حاجياته اجتماعيا و اقتصاديا، الشيء الذي يجعلها تنفرد عن باقي المكونات الأخرى بميزة كبيرة لأنها تمثل العديد من المؤهلات نظرا لتنوعها البيولوجي و تأثيرها على التوازن الاقتصادي و الاجتماعي، و تلعب دورا رئيسيا في المحافظة على التربة و الماء و محاربة التصحر و تحسي الظروف البيئية....
و الغابة لها دور متميز في التنمية ، و يكفي هنا أن نتطرق لهذا الدور على الصعيد المحلي بإقليم إفران بالنظر إلى مجموعة من العوامل أهمها: انفراد المنطقة بثروة غابوية مهمة و واسعة ، و كون هاته المنطقة تعد شبه خالية من أي أنشطة صناعية التي من شانها خلق فرص العمل باستثناء بعض المناشر لخاصية هاته المنطقة المحاطة بمجال غابوي كبير.. هذا مع الإشارة إلى الدور و الاهتمام التنمويين الذي تقوم عليه ثروة المنطقة، و مدى وعي الساكنة بها بمسؤولياتها  بأهمية الغابة و نفس الأمر بالنسبة لمختلف الجهات المسؤولة و المهتمة بالشأن الغابوي من اجل المحافظة على الغابة من الاستنزاف لضمان الحفاظ على الكيان البشري و ضمان حياة الأجيال القادمة .. و هو أمر ضروري، كون الغابة تساهم في دخل الساكنة المحلية و دخل الجماعات القروية باعتبارها المستفيد و المسؤول عن هذه الثروة..
و المعلوم ان المجال الغابوي يتميز بتنوع مؤهلاته الطبيعية والبشرية، وهي مؤهلات في حاجة إلى حسن التدبير ، خصوصا أمام استفحال ظاهرة الاستنزاف الذي تعرض له الوسط الطبيعي بفعل الضغط البشري (النمو الديمغرافي ) و من ضمنه ما تعانيه الغابة  يعود إلى عدة تحديات و إكراهات، مما يتطلب معه كذلك اتخاذ مجموعة من الأساليب والتدابير لترشيدها وتحسين وظيفتها..
من هنا نستحضر جملة من التساؤلات ، أبرزها:
ما هي وضعية الموارد الغابوية؟ وما هي أساليب تدبيرها؟ وما هي وضعية الموارد البشرية؟ وما هي الجهود المبذولة لتحسينها؟
إذا علمنا ان الغابة تغطي %12 من التراب المغربي يشمل النظام النباتي المغربي على ما يقارب 7000 نوع مصنف تعرض الغابة للتدهور، إذ تتراجع بمعدل 31 ألف هـ سنويا بسبب الاجتثاث والإفراط في الرعي والحرائق والتعمير تقلص المجال الغابوي بالمغرب ، وتدهور الأنظمة البيئية الغابوية..دون إغفال العامل المناخي حيث ان نمو الغطاء الغابوي يرتبط بالظروف المناخية خاصة التساقطات وكلما قلت هذه الأخيرة انتشرت تشكيلات نباتية كالحلفاء...مما يتطلب معه إصدار قوانين لحماية الغابة و محاربة التصحر وتشجيع عمليات التشجير لتجديد الغابة وتنظيم حملات التوعية والتحسيس بأهمية الغابة وحمايتها وإنشاء محميات طبيعية و منع الرعي الجائر بالملك الغابوي..
و يشكل الغطاء الغابوي المتوفر بإقليم إفران احد أهم الجوانب التي أفرزتها بيولوجية المنطقة و الظروف المناخية بسبب تنوع التربة و ارتفاع التساقطات (المطرية و الثلجية) و كذا موقعها في سلسلة الأطلس المتوسط، مما جعلها تزخر بمساحات شاسعة مغطاة بالنبات الطبيعي الذي يتنوع من جهته ما بين الجبل و الأزغار..
ففي الأزغار او الأراضي السهلية تسود مجالات مخصصة للفلاحة التقليدية خاصة فيما يتعلق بزراعة الحبوب بمختلف أنواعها، و إما في الجبل او المرتفعات فتغطيها التشكيلة النباتية الغابوية، هاته الأخيرة تعود إلى الطابع المناخي المتوسطي الجبلي الذي يسمح بتنوع محطاتها النباتية المتمثلة في أشجار الأرز و البلوط الأخضر..
الغابة ثروة بمنطقة آزرو:
ليست الغابة كما يعرفها العموم هي مجرد مساحة و مجموعة من الأشجار بل تعتبر ثروة محلية و جزء لا يتجزآ من البيئة الطبيعية، فهي تلعب دورا اجتماعيا و بيئيا، و كذلك ماليا بالنسبة لميزانية الجماعات القروية المحلية بالإضافة إلى دورها الحيوي في الحفاظ على تماسك التربة و حمايتها من التعرية و الانجراف...
و نظرا للظروف المناخية و تموقع مدينة آزرو بسلسلة جبال الأطلس المتوسط فهي تضم ثروة غابوية مهمة تنتمي إلى مجموعة الغابات الواقعة على الخط الممتد من تازة مرورا بصفرو و خنيفرة و قصبة تادلة و هضاب ملوية العليا و واد العبيد وصولا إلى الأطلس الكبير..
هذه المنطقة التي تمتد من ملوية إلى واد العبيد تشكل أغنى الغابات حيث توجد فيها على الخصوص أشجار الأرز و البلوط الأخضر، كما تتوفر على أشجار ثانوية كالعرعار و الصنوبر .. ففي المرتفعات يطغى الأرز و يصبح البلوط الأخضر بمثابة أحراش..
معطيات و أرقام عن الغابة بالمنطقة :
فإذا كانت المساحة الغابوية بالقيم إفران عموما تقدر ب 116 ألف هكتار أي ما يعادل 33 في المائة من مساحة الإقليم، و تتوزع على أنواع الأشجار التالية: الأرز 48700هكتار- البلوط الأخضر 44400 هكتار- الصنوبر البحري 3500 هكتار -  بلوط الزان 2900هكتار العرعار الجبلي 1900 هكتار و المختلفات 14600 هكتار، فان غابة آزرو و التي تمتد على مساحة تقدر ب 17.744 هكتار أي ما يعادل 23 % من المساحة الكلية للمنطقة حيث تضم مجموعة مساحة كل من غابة الجماعات القروية لتيكريكرة و ابن الصميم تتشكل مساحاتها  من جهتها من أشجار الأرز الخالص 1493 هكتار (نسبة8%) و الأرز + البلوط 7657 هكتار (نسبة 43%) و البلوط الأخضر 4594 هكتار (نسبة26%) لتشكل المساحة الفارغة 4100 هكتار ( نسبة 23%) ليكون إجمالي المساحة الغابوية بمنطقة آزرو هو 17.744 هكتار..
فعلى المستوى الوطني تصل المساحة المغطاة بالأرز إلى 132 ألف هكتار تتوزع على ثلاث مناطق كبرى كالتالي: الأطلس المتوسط 100 ألف هكتار و الريف 17 ألف هكتار فالأطلس الكبير 15 ألف هكتار أما على المستوى المحلي فإذا كانت غابة آزرو أهمية البلوط الأخضر بارزة حيث يتمثل في احتلاله مساحة كبيرة (4594ه) فان أهمية شجر الأرز ترجع إلى قيمته الاقتصادية باعتباره الشجر الوحيد القابل لتوفير خشب الصناعة ليس فقط على المستوى المحلي بل الوطني ككل.
الاستغلال الغابوي:
بحكم العيش التقليدي السائد بالمنطقة و المتمثل في نظام الانتجاع و نصف الترحال، تشكل الغابة الملجأ الرئيسي للماشية خلال الصيف إذ توفر ثقل المصاريف على الراعي بالرغم من القيود المفروضة على الرعاة من طرف إدارة المياه و الغابات .. و يعد الإنتاج الحيواني بالإقليم ككل ذي أهمية بالغة إذ تكفي الإشارة إلى تعدد رؤوس الماشية المتواجدة بالمنطقة التي تنتج أجود السلالات بالمغرب( سلالة تيمحضيت)...، كما ان الغابة تعتبر مجالا غابويا حيث اتخذ نصف الرحال و القاطنين بالقرب من الغابة بالإضافة إلى أهداف رعوية مجالات من الغابة لممارسة أنشطتهم الفلاحية تتوزع ما بين القانوني و الغير القانوني منها، مما يؤدي أحيانا إلى فرض غرامات مالية رغم ثقلها لا تحد من استغلال الغابة ، و هذا راجع بالأساس إلى رغبة كل أسرة إلى توفير الحاجيات الضرورية و توفير او تحقيق الاكتفاء الذاتي ، و يكون هذا الاستغلال الفلاحي عن طريق قطع و حرق مساحة معينة من الأشجار بالغابة و تعويضها بالزرع و الحرث من اجل تحقيق محصول مهم..
أما الاستغلال القانوني فيكون لذوي  حقوق الانتفاع حيث يتم الاستغلال بشكل متساوي و منظم سنة بعد أخرى – كما هو الحال بالنسبة ل "أوكماس" حيث يزرع بها كل من القمح و الذرة.
الغابة مجال سياحي:
تتوفر منطقة آزرو على غطاء غابوي مهم تعيش فيه أنواع متعددة من الوحيش التي تجلب السياح و هواة القنص و الصيد و كذلك الاستجمام، و نجد بين هاته الحيوانات:/ الطيور - الغراب- الحجل- الثديات القردة و الأرانب و الزواحف و الخنازير...
بفضل الظروف المناخية المتميزة بالثلوج شتاء و الجو الرطب صيفا فان المنطقة تكون نقطة استقطاب للسياح سواء المغاربة او الأجانب الذين يرغبون في ممارسة هواياتهم (الصيد او القنص) او في قضاء عطلة بالغابة بعيدا عن ضجيج المدن الكبرى و عن الهواء الملوث بفعل الحركة الطرقية او النسيج الصناعي.. إن سحر مدينة آزرو يكمن بالأساس في طبيعتها الخلابة، وموقعها الإستراتيجي، ومائها العذب الزلال، وغاباتها الممتدة، وجوها الصحي، ناهيك عن طيبوبة أهلها وجمال أبنيتها، وأصالة تراثها، وتنوع روافدها، مما يجعلها مدينة فاتنة، تأسر قلوب قاطنها وزائريها على حد سواء.
و إذا كانت مدينة إفران قد حضيت بشهرة أكبر لما أولي لها من عناية واهتمام، ولما رصد لها من موارد مالية، فإن ذات الأمر يجب أن يتخذه المسؤولون المحليون في تركيزهم على قطاع السياحة بآزرو، والذي يعد محركا أساسيا لكل تنمية مستدامة وفعلية للمدينة، خصوصا وأن المنطقة لا تزال تعتبر عذراء من حيث ندرة الاستثمارات في مجال السياحة الجبلية مقارنة مع مؤهلاتها الهائلة..
من بين هاته المناطق نذكر : خرزوة، تيومليلين وتباضليت وتقموت نعودلما وعين أغبال و ابن الصميم...وغيرها، التي مناطق لا يجادل على جمالها، و التي  تعد إحدى النقط المنتشرة ضمن " المنتزه الوطني  لإفران"..هذا الأخير الذي وجب الذكر أنه يمتد على مساحة تفوق 53.000 ألف هكتار، مشكلا نموذجا أمثل للأوساط البيئية التي تحتويها جبال الأطلس المتوسط، إن كان ذلك من وجهة تركيبته الجيومرفولوجية أو النباتية، أو المرفولوجية والمناخية، مما جعل المنتزه الطبيعي لإفران يمتاز عن غيره بتنوع مناظره الطبيعية، التي تشكل تارة سفوحا مفتوحة وفسيحة وتارة مرتفعات مكسوة بغابات كثيفة، وما يزيده بهاء ما تضفيه عليه البحيرات و الضايات الطبيعية والمنابع والوديان والعيون والكهوف، من مشاهد جمالية أخاذة، تكسوه غابات أرز الأطلس إحدى أكبر الغابات امتدادا بالمغرب...
مجموعة منتجعات تشملها المنطقة ( رأس الماء- ابن الصميم- حرزوزة – تومليلين) هاته المنتجعات التي تتوفر على مخيمات للأطفال بالإضافة إلى مخيم عيشة أمبارك..
دون إغفال نقطة مركز عين أغبال، هذه العين التي تشكل متنفسا سياحيا لساكنة آزرو، حيث يقصدونها سيرا على الأقدام في نهاية أسبوع، وأيام العطل، كما يقصدها كل من يرغب في ممارسة رياضة المشي أو الجري، ومن يريد ابتياع سمك الترويت أو على الأقل الاستمتاع برؤيتها، كما يقول المثل: " للي ما شرا يتنزه".
الغابة مورد مالي للجماعات بالمنطقة
جاء في ظهير 20 شتنبر 1976 ان موارد الغابة موزعة بين الدولة و الجماعات القروية، كون هاته الأخيرة تعتمد على الغابة كأحد أهم مواردها الأساسية في تحقيق كل الضروريات .. و بذلك نجد ان غابة آزرو تساهم في تزويد الجماعات التابعة لها تيكريكرة و ابن الصميم بمدخول هام يتراوح ما بين 240 مليون إلى 660 مليون كل سنة  ( بحسب وثيقة من مصلحة مكتب التنمية الغابوية قبل 2010)هذه المداخيل تكون نتيجة مجموعة من الموارد التي لها علاقة بالغابة إما بطريقة مباشرة او غير مباشرة التي تجني منها الجماعات مداخيلها  التي بالرغم من هاته المداخيل يلاحظ عليها تراجع في قيمتها من سنة إلى أخرى إما لظروف مناخية متقلبة او عوامل بشرية ( الحرائق، الرعي المفرط و الغير المنظم او استنزاف الغابة من خلال القطع المنظم او العشوائي فضلا عن ضعف الإنتاج بفعل غياب إعادة  او انعدام التشجير)...

.... (يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق