الاثنين، 3 سبتمبر 2012


قضية و موقف//
مَنْ يَخَافُ مِنَ السلطة الرابعة؟
محمد عبيد (آزرو)
يعتبر  ذوو الشأن، أن الإعلام في جانبيه العام والاستقصائي، يُعدّ وسيلة عرض لحقائق ظاهرة، أو مستترة، لأسباب سياسية أو غيرها، وهو وسيلة ترويج للفكر أو الرأي، ويتدخل الإعلام في مختلف أنواع الصراعات، لاسيما بين مختلف مكونات المجتمع المنظم أو الغير المنظم ، لكنْ ثمة صراع دائم وقائم، بين الفرد الموجود –خارج السلطة- وبين السلطة التي تضع الدستور خلف ظهرها، فما هو دور الإعلام في إدارة هذا الصراع، ولماذا يشكل الإعلام وسيلة ضغط ومصدر قلق كبير للبعض ممن يعتبرون هذا الإعلام خطيرا على تواجدهم في مهام أو مراكز حسب مسؤولياتهم سيما وان بعض التجارب أفضت إلى أن العلاقة بين أصحاب القرار في الشؤون العامة للبلاد والعباد و بين الإعلام، لاتزال تتذبذب صعودا، ونزولا...
و من هذا المنطلق يأتي اختلاف مواقف الناس من الإعلام، أو من السلطة الرابعة حسب علاقتهم بهذه السلطة. فبعض الناس يعتبر السلطة الرابعة  أعدى أعدائه، لأنه يعيش حياة عارية من كل قيم أخلاقية  تسود مجتمعه، ولا يستحيي من خالق لا تنام عينه، ولا من ضمير حي  يؤنبه، ولكنه في المقابل يخشى أن يفتضح أمره، ويكتشف الرأي العام حقيقته المخالفة للقيم السليمة السائدة في وسطه. و منهم من يرى في السلطة الرابعة مجرد مطية يركبها لتسويق الإشهار لفساده والذي يخدم مصالحه، فإذا ما تناولت هفواته أو مثالبه أو انحرافاته انضم إلى من يعاديها أشد العداء. ومن الناس من يعول على السلطة الرابعة للدفاع عنه عندما تدوسه أقدام الظلم والجور، ولا يجد في  باقي السلط المقننة في المجتمع تحت مسميات التشريع والقضاء والتنفيذ ما يمثل بالنسبة إليه ملجأ وملاذا يأوي إليه. وهذا النوع قد يحابي السلطة الرابعة  بعد اللجوء إليها وهو مظلوم مقهور، ولكنه يعاديها أشد العداء عندما يصير ظالما وجبارا. ومن الناس من يصاحب السلطة الرابعة  ويؤيدها لا حبا في ركوبها، ولا رغبة في الاحتماء بها، وإنما يفعل ذلك لأنه يؤمن بتخليقها للحياة العامة التي  تفشل باقي السلط في تخليقها عبر القوانين الزاجرة التي لا تجدي  نفعا عندما يغيب الوازع الأخلاقي أو الضمير الحي . والحقيقة أن السلطة الرابعة أفضل وسيلة لتخليق الحياة العامة خصوصا في زمن  قل فيه الخوف من الخالق سبحانه، وازداد فيه الخوف من المخلوق، بعدما صار هذا المخلوق يتأله بسبب ما عرفته حياته من تطور مادي وتكنولوجي . والمتتبع لأثر السلطة الرابعة في ا لمجتمعات البشرية خلال التاريخ الحديث والمعاصر يتأكد من حقيقة الدور الذي  تلعبه من أجل تخليق الحياة العامة، وأمثلة إطاحة السلطة الرابعة بالزعامات الظالمة والمستبدة كثيرة. ويعتبر الربيع العربي الظرف الأكثر تأكيدا لدور السلطة الرابعة التي استطاعت أن تعبأ الرأي العام لمواجهة الحكام المستبدين في البلاد العربية . وما فرار هؤلاء الحكام أو أسرهم سوى دليل على أن السلطة الرابعة قد فعلت فعلها السحري لتخليق الحياة العامة في البلاد العربية التي عاث فيها هؤلاء الحكام المستبدون أشنع الفساد. و ليست أمثلة الربيع العربي هي الأمثلة الوحيدة للبرهنة على دور السلطة الرابعة في تخليق الحياة العامة، بل هنالك أمثلة أخرى حتى في المجتمعات التي تصنف نفسها في مراتب التحضر والتطور والتقدم. فكم من قيادة غربية كشفت السلطة الرابعة انحرافها عن قيم مجتمعها أو عن القيم الإنسانية السليمة، وأطاحت بها  بعدما انكشف أمرها أمام الرأي العام الذي هو ضمير المجتمعات البشرية، والذي يصون قيمها الأخلاقية. ولقد تسترت شخصيات كبيرة كانت ذات شأن  وراء حجب كثيفة لممارسة انحرافاتها المشينة، واستغلت من أجل ذلك كل ما تملك من سلطة مادية ومعنوية، ولكنها لم تستطع أن تفلت من رقابة السلطة الرابعة التي عرت سوءاتها. ولنا أمثلة فيما كشفت السلطة الرابعة من  القصص المخزية للقادة العرب المستبدين الذين ظلوا لعقود يخفون فضائحهم حتى كشفتها هذه السلطة الرابعة، فأنزلتهم من فوق عروشهم الزائفة إلى مزابل التاريخ. فمن هؤلاء الذين هووا من بروجهم العاجية إلى الحضيض المخزي من كان يتخذ الجواري والأخدان مموها على ذلك بحارسات أمنه الشخصي. فلما فضحه الله عز وجل كشفت حارسات أمنه الشخصي ما كان يفعل بهن خلف الحجب والستائر هو وعصاباته. ولم يكن هذا المصاب بداء الشبق المزمن يتصور أن تكشف السلطة الرابعة في يوم من الأيام فضائحه مع الرقيق الأبيض والأسمر. وعلى غرار الفضائح الجنسية كشفت السلطة الرابعة الفضائح المالية  للزعماء المستبدين بالرغم من تسترهم عليها، ومحاولة إخفائها بشتى الوسائل في بنوك العالم. ولقد كشفت السلطة الرابعة كل المتورطين في الفضائح المالية للحكام المستبدين حين بدأت عمليات تجميد أرصدتهم بعد أن هووا  من فوق عروشهم  المزلزلة. ومع أن هؤلاء الحكام المستبدين قضوا عقودا طويلة يركبون السلطة الرابعة المأجورة التي  دأبت على تصويرهم كأبطال أسطوريين، فإنهم لم يفكروا يوما في أن سحر السلطة الرابعة ـ طال الزمن أم قصرـ  ينقلب على الساحر، فيكشف الأقنعة، وتبدو الحقائق جلية  للرأي العام. ومن المضحك  والسخيف أن الحكام العرب الذي سقطوا من فوق عروشهم سجلت السلطة الرابعة المأجورة مقاطع من مقولاتهم الكاذبة، وهم يحاولون مخادعة الشعوب  في آخر لحظات أيامهم، فيصف هذا نفسه بالمجاهد والمحارب، وذلك بأنه طول حياة قدم التضحيات … إلى غير ذلك من العبارات السخيفة المضحكة التي سار الرأي العام يتندر بها  في لقطات إشهارية  ساخرة. وعبر نفس السلطة الرابعة التي ركبها هؤلاء الحكام الفاسدين كشفت حقيقة فسادهم، وما كانوا يوما يظنون أن الإعلام الذي كان وسيلة من وسائل سلطتهم المستبدة، سينقلب ضدهم. ومع العبر المتكررة سواء تعلق الأمر بالزعامات الفاسدة أم بغيرها، والتي فضحتها السلطة الرابعة، فلا زال بعض المسؤولون لم يتعظوا بعد، ولا زالوا يعتبرون السلطة الرابعة مجرد مراكب ذلولة  يحاولون ركوبها لتسويق الإشهار لشرعنة  حصولهم على مسؤولية فوق ما يطيقون، ولتبرير تدبيرهم الفاشل، ومحاولة تحويل الفشل الذريع إلى انتصارات دونكيشوتية. ولقد مر في جهتنا من المسؤولين في شتى القطاعات من استغل كل نفوذ للتغطية على فضائحه ،ولكنه لم يفلح حين وضعت السلطة الرابعة يدها على ما خفي من هذه الفضائح بما فيها فضائح الأموال، والأعراض المخزية، والتي لا تغسل بغسيل، والتي أورثت أصحابها العارالأبدي. وإذا ما كانت الكياسة هي إدانة النفس ومحاسبتها قبل أن تحاسب، وقبل أن تتدخل السلطة الرابعة  لكشف المخبوء الذي يخشى شيوعه في الناس، فإن العجز والبلادة هو الكذب على الذات، ومحاولة تسويق هذا الكذب بين الناس رغبة في تحويله إلى حقيقة اعتمادا على تراخي الزمن. ومن العجز التعويل على عامل الزمن، وتراخيه لمخادعة النفس أو الذات أو مخادعة الغير، لأن الذنب لا ينسى، والدنيئة لا تنسى، والفضائح لا يغسلها غسيل كما أسلفنا. وكثير من العاجزين تلطخت سمعتهم في مكان ما، فانتقلوا إلى غيره، وهم يعتقدون أن لعنة هذا التلطيخ لن تتبعهم حيث صاروا، ولكنهم واهمون فالسلطة الرابعة حتما ستنقل فضائحهم المرتكبة بعيدا إلى حيث صاروا، لأن السلطة الرابعة لا يحول دون وصولها إلى المخبوء زمان أو مكان أو حواجز أو ستائر وصدق من قال: "ومهما تكن عند امرئ من خليقة// فإن خالها تخفى على الناس تعلم". ومن أساليب العجز محاولة مساومة أو مداراة السلطة الرابعة أو من له علاقة بها طمعا في استغلالها، أو ركوبها،  مع أنها سحرها ينقلب على الساحر كما مر بنا. وعندما  تفشل أساليب الترغيب أو المساومة يدفع اليأس المتورطين في الفضائح والفساد إلى مناصبة السلطة الرابعة العداء، والكيد لمن لهم بها علاقة من أجل التخلص منهم. فكم  من منتسب  إلى السلطة الرابعة تمت تصفيته، أو غيب خلف قضبان السجون والمعتقلات، لأنه رفض أن يجعل السلطة الرابعة مطية الفاسدين  يستغلونها أبشع استغلال. ومشكلة الفاسدين أن السلطة الرابعة لها أنصار لا يهلكهم الدهر إلى قيام الساعة، وأنهم لا يساومون، ولا يقبلون المداهنة والمداراة، ولا يقبلون بديلا عن تخليق الحياة العامة عن طريق السلطة الرابعة من خلال كشف الحقائق بكل جرأة وشجاعة وثبات. وأخيرا أقول لأوكار الفساد مهما كان نوعه، وحيثما وجد ما عليك أيتها الأوكار الفاسدة المفسدة، وبمن فيك من فاسدين إلا التوبة النصوح، والعودة إلى الحياة العامة المخلقة، وإلا فالسلطة الرابعة لك بالمرصاد تتعقب فسادك وتكشفه للرأي العام، ولا أمل  في إخراس هذه السلطة المستمدة من سلطة الله عز وجل ما دامت تنشد الحق والحقيقة والفضيلة ولا تخشى في الله لومة لائم ولا لؤم لئيم .

هناك تعليق واحد: