الخميس، 29 سبتمبر 2011


مغرب ما بعد إقرار الدستور السادس
:
و رهان بناء العنصر البشري من أجل مجتمع حداثي
إنجاز: محمد عبيـــد – آزرو
يلاحظ أن الدستور ظاهرة حديثة في الحياة السياسية المغربية العريقة التي كانت تقوم على البيعة  منذ مبايعة مولاي إدريس إلى اليوم وهي خاصية تكاد تميز الحياة السياسية المغربية عن غيرها في باقي الدول العربية والإسلامية ، و يبقى دستور 1962 أول دستور مغربي منذ الاستقلال (1955) سيعرض على الاستفتاء  قبل أن يعرف عبر خمس محطات من هذا الميلاد عدة متغيرات(وهذه دساتير المملكة عبر التسلسل التاريخي لها):
1- دستور 1962 تضمن 13 بابا موزعة على 110 فصلا.      
2- دستور 1970 تضمن 12 بابا و 101 فصلا
.       
3- دستور 1972 شمل 12 بابا 103 فصلا.      
4- دستور 1992 12 بابا و102 فصلا.      
5- دستور 1996 ضم 13 بابا و 108 فصلا.      
و رغم حداثة الدستور المغربي (1962) فقد خضع لعدة مراجعات مما  أكسب الدستور مرونة وإمكانية مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية التي تعرفها المملكة مع مراعاة المصلحة والإصلاح المنشود في علاقة المغرب بالحراك العالمي.. ورغم كثرة المراجعات الدستورية فإن الثوابت ظلت واحدة وغالبا ما شملت المراجعة بعض البنود القليلة لذلك اعتبر خطاب 9 مارس انقلابا سياسيا في المغرب سواء من الناحية الجغرافية للمملكة (دسترة نظام الجهات )أو من حيت فصل السلط  أو من الناحية المؤسساتية  ( تخويل صلاحيات أكبر للبرلمان والوزير الأول..)، و دسترة اللغة الأمازيغية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة لتصبح سلوكا وممارسة سياسية، ترتكز عليها السياسة العامة للبلاد  وتنطلق منها نحو تحقيق المزيد من الديمقراطية (التي باتت اللبنة الأساسية والضرورية في الاستقرار المجتمعي) ومن التنمية المستدامة والتي تعني محاربة الفقر والأمية وتأمين فرص الشغل وحماية وصيانة كرامة الإنسان وحقوقه..
يمكن القول أن التعديل الدستوري، بصيغته التي طرحت على الاستفتاء، لم يكن ليتأتى بهذه السرعة وهذه الصيغة، لولا الظروف الإقليمية والحراك المجتمعي الذي انطلق عرفته البلاد، والتجاوب الملكي مع مختلف مطالبها ، مما أهل المغرب لكسب قوة جديدة بفعل المشاركة الوازنة في استفتاء الفاتح من يوليوز 2011، وهي قوة تؤهله في حال الاستثمار الجيد لها لكسب سلسلة من الاستحقاقات الصعبة والحرجة، مما يقتضي التأكيد على أن معركة البناء الديمقراطي الفعلي لبلادنا لم تنته بإجراء الاستفتاء بل إنها انطلقت معه، ويراهن المغرب على مرحلة ما بعد إقرار الدستور الجديد في التأسيس لإصلاحات سياسية كبرى، و هذا رهين أيضا بترسيخ أجواء الثقة بين المواطنين بعد الإقرار بالإيجاب على مقتضيات الدستور الجديد، من خلال إطلاق إشارات سياسية ملموسة في عدة اتجاهات بما  يلزم منها  تجديد النخب السياسية في العديد من الأحزاب بالبلاد، وتغيير بيتها الداخلي إلى الأفضل، باعتبار أن الثقافة السائدة في الغالب هي تلك التي تتأسس على الإجماع على الزعيم وإقصاء الرأي المخالف له.. كون نتائج الدستور تعد التزاما سياسيا تفرض إيجاد نخب سياسية جديدة تعمل على ترسيخ ثقافة الديمقراطية، وتنزيل الدستور وتطبيق مقتضيات الإصلاح على أرض الواقع..
الدستور الجديد الذي يعد السادس في سلسلة الدساتير التي عرفها المغرب منذ الاستقلال  ـ علاوة عن دعمه للحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن والتفصيل فيها ـ حاول إعادة صياغة مهام السلط في إطار يسمح بقدر من التوازن والوضوح في الصلاحيات، وتجاوز مختلف الإشكالات المرتبطة بغموض النصوص في الدستور السابق، أو تداخل السّلط التي أفرغت المسؤولية الحكومية من مدلولها، وفتحت باب التأويلات الواسعة..
لحظات تاريخية و عهد جديد يدخله المغرب في بناء مستقبل زاهر وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، انطلاقا مما جاء به الدستور الجديد من ايجابيات يجب تفعيلها على أرض الواقع وانطلاقا من الرغبة الأكيدة والملحة لمجموع مكونات هذا الوطن في التجديد ودخول مرحلة جديدة متخلصة من ممارسات الماضي ..
وهو ما ينشده عاهل البلاد  في النقاشات التي انطلقت مباشرة  حول أولويات وبرنامج مسلسل إرساء مؤسسات الدستور الجديد وكذا القوانين التنظيمية والعادية المنظمة لذلك، وذلك من قبيل التساؤل حول أولوية البدء بالانتخابات الجماعية أم التشريعية، وكذا وضعية الحكومة الحالية ومسؤوليتها في التحضير للمراجعات التشريعية الخاصة بالقوانين التنظيمية، فضلا عن النقاش الحرج المتعلق بتأويل الفصل 176 من الدستور الحالي وهل تشمل مقتضياته القانون التنظيمي للجهات، وذلك في سياق استمرار تحديات تعزيز المناخ السياسي الإيجابي بإجراءات الثقة غير المستكملة.
و لم يفت "الدستور الجديد التجسيد لاستمرارية الاهتمام بقضايا وانشغالات مغاربة العالم وتطوير الأداء للنهوض بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج ، إذ  أن الإصلاحات التي شهدتها المملكة في العشرية الأخيرة تندرج ضمن اختيارات إستراتيجية واضحة مكنت من تقوية الاقتصاد المغربي وتعزيز تنافسيته.
الدستور الجديد ،الذي عبرت الجالية المغربية بقوة عن تأييده ،يحمل ضمن مضامينه دسترة المواطنة الكاملة للمهاجر المغربي مما يعكس اعترافا بالجميل إزاء هذه الشريحة المهمة من المجتمع وذلك بالنظر للدور الذي تقدمه في التنمية وتطور واستقرار المغرب. 
خلاصة وجبت إثارتها في هاته الخاتمة،إن الدولة والمقاولات والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية لن تتصرف فورا كفاعلين عقلانيين بمجرد ما أن أصبحت تتحرك في بيئة مؤسساتية أكثر شفافية ومسؤولية، فالقيم والتصرفات تبنيها مؤسسات تحدد بشكل واسع رد الفعل تجاه الإصلاحات كيفما كانت طبيعتها..وهذا يتطلب وجوب الشروط الأساسية والملائمة التي تكفل العيش الكريم للمواطن، ونهج الشفافية والوضوح على مستوى وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، وترسيخ مبدأ المحاسبة ومعاقبة الفساد بكل أشكاله؛ وتجاوز أزمة المصداقية التي يعيشها الإعلام العمومي، واعتماد معايير انتخابية مؤسسة على الكفاءة والمحاسبة والمصداقية، ومحاطة بضمانات سياسية وإدارية وقانونية وميدانية، تكفل احترام إرادة المواطنين واختياراتهم... و لن يتحقق هذا إلا من خلال بناء الثقة في المستقبل و الرهان عليه، بدل التمجيد المفرط للماضي و تقديس الأسلاف و احتقار الأخلاف... يجب أن نؤمن أن ازدهارنا يمكن بناؤه،وأنه أمامنا و ليس ورائنا (كما يزعم الفكر السلفي أو المحافظ بشكل عام)، و لا يمكن على أية حال انتظار المستقبل كما ننتظر قطارا، بل يجب تشييده انطلاقا من قراءتنا الموضوعية لماضينا بما له و ما عليه، و بمنطق استراتيجي ذي أهداف محددة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق