الجمعة، 9 نوفمبر 2012


مواقف للتأمل:
هل أصبح الفساد غولا على مجتمعنا المغربي
 لا يجرؤ أحد على بتر أواصره؟

محمد عبيد
بداية لا بد من تقديم لمفهوم كلمة الغول لغة ، الغول في لغة العرب هو الجان اذا تبدى بالليل فهو أكثر ما يتراءى في الليل لمن يسافر وحده واوقات الخلوات ويكون الانسان مقابل جثته كالطفل الرضيع عند امه ومن اعماله يصد المسافر عن الطريق ويفزع وربما ياذي ويسحر لانه من الجن الذين لهم القدرة على سحر الانسان فقد سئل رسول الله (ص) عن الغيلان قال :هم سحرة الجن."
و من هنا ياتي الطرح للمقاربة بين الواقع المعاش في الحياة المغربية السياسية و الاجتماعية و المجتمعية ككل لتشبيهها بحياة يتحكم فيها جن اسمه غول يربط  شخصيته ب"الفساد"، ذلك حين يمكننا القول بان المنحى الذي أصبحت تسير فيه البلاد يبقى بعيدا كل البعد عن تطلعات الديمقراطية التي أثث لها بأن الخطوة الأولى هي التغيير كضرورة اجتماعية و خيار سيادي يفرض نفسه، موازاة مع مبادئ الربيع العربي في بلدان أخرى، و رغم أن التنزيلات الدستورية وعدت بعديد الإصلاحات، بدت للوهلة الأولى تحمل شيئا من الحلول التي من شأنها الحد من تنامي الفساد، إلا أن مرور الوقت أظهر أن تأثير هذه الهدنة آخذ في الزوال، مما يجعلنا نحول الانتباه مجددا نحو لوبي الفساد الذي ينخر الشؤون في البلاد، هذا اللوبي ما فتئ يرفع من وتيرة التمادي و الطغيان، و نعرض بعضا من صور هذا الفساد في النقط التالية:تراجع خطير لدور الدولة في مراقبة جودة المستوى المعيشي للمواطنين مما يفسح المجال أمام المضاربين و مستغلي هذه الثغرات لرفع أسعار المواد الأساسية و غيرها من الوسائل الكفيلة بالحياة المعيشية للفرد المغربي مقابل ما باتت تتحكم فيه أهواء السماسرة و الوسطاء التجاريين.. فساد إداري يهم تدبير الشؤون المحلية و يتمظهر ذلك في مدى التلاعب الذي يطال ميزانية المجالس، هذا دون الخوض في المحسوبية و تزايد أعداد الموظفين الأشباح..تهديم متواصل لجمالية المدن بسبب رفع المجالس المنتخبة يدها عن صيانة المساحات الخضراء و عدم مراقبتها لأداء شركات النظافة و عدم تطبيقها السليم للقانون الخاص بمعاقبة المترامين على الملك العمومي، تماطل المجالس البلدية في إطلاق سراح رخص بناء أو إصلاح الدور الآيلة للسقوط، أو بالأحرى ابتزازها لأصحابها لغاية في نفس يعقوب.. منظومة صحية مهينة لكرامة المواطنين المتوافدين على مختلف المؤسسات الإستشفائية و سيكون محرجا إعطاء أمثلة لأن لا شيء مشرف، فمجمل الأطقم الطبية غير مؤهلة جملة و تفصيلا، هذا إضافة إلى هشاشة البنية التحتية و التجهيزات سيما بالمدن أو القرى التي تخرج عن محور الرباط/الدار البيضاء لان ما يجري و ما يلاحظ على القطاع بمدن عديدة وبعوالمها القرية و في أعالي الجبال الأطلسية بالخصوص لا يشرف بتاتا ..منظومة تعليمية معتلة في جميع أركانها بدء بسوء التدبير الإداري و ارتجالية القرارات، مرورا بتدهور الخدمات المقدمة داخل الأقسام الداخلية، و وصولا إلى تغاضي المسؤولين عن ظاهرة الساعات الإضافية غير المشروعة بالرغم ما تم تروجيه من مذكرات إن وزارية أو إقليمية بهذا الخصوص.. كما انه المواطن المغربي المغلوب على امره يحز في نفسه ان سجل على أن الإدارة العمومية تعيش في سبات أبدي مشوه المعالم يطال كل المجالات، فهذا حراك اجتماعي ينتفض ضد حيف المراكز الصحية على اختلاف خدماتها، و الغزل قائم بين المقاطعات و الجماعات من جهة و المواطن من جهة أخرى من أجل استصدار الوثائق الإدارية أو رخص البناء أو التصاميم.. و هلم جرا، أما عن القطاعات الحيوية الأخرى كالفلاحة و التجهيز.. فحدث و لا حرج....
كل هذه النقط المعروضة و أخرى تلتقي في محور مشترك هو تفشي الفساد و تغاضي السلطات المخول إليها زجر هذه الممارسات أو تواطئها ..
وان كان بلدنا وعلى غرار باقي دول المنطقة العربية، قد شهد حراكا اجتماعيا تلازمت فيه مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، على رأسها المطالبة بوضع حد للفساد وتقديم المفسدين للعدالة.... فان هذا الحراك قوبل في المغرب بتفاعل إيجابي تمثل بشكل خاص في تبني دستور جديد  كرس المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، كما تضمن تأكيدا صريحا على حتمية تقوية عدد من الآليات العاملة في مجال تخليق الحياة العامة، وربطَ ممارسة المسؤولية بالمراقبة والمحاسبة....
ولما كانت مفاهيمنا مقلوبة ومعكوسة،  صار الداعي إلى صلاح مفسد  بامتياز عند المطبعين مع الفساد، وصار من يقوم بما يجب عليه بطلا في حجم الأبطال الأسطوريين، وقد يحق له إن قام بواجب من الواجبات أن  يفعل بالناس ما يشاء بما في ذلك إهانتهم والسخرية منهم ...فلن نخطو خطوة واحدة نحو التغيير والإصلاح ما دام فينا المقصر في أداء الواجب الذي لا يحاسب، والقائم بالواجب الذي يمن علينا ذلك، وكأنه يقدم صدقات ولا يقوم بواجبات السبب الرئيسي، وراء ربيعنا المغربي الذي هو جزء من الربيع العربي هو شيوع الفساد وانتشاره واكتساحه كل ميادين الحياة خصوصا في القطاعات العمومية، و بين أوساط المسؤولين ومن هو تابع لهم، والذين يوجدون خارج طائلة المتابعة والمساءلة والمحاسبة .
 ومعلوم أن غياب متابعة التقصير في أداء الواجب كرس وضعية الفساد لدينا  بشكل غير مسبوق، وصرنا نتحدث عن هذا الفساد وكأنه  قدر لا راد له. واقتنع الناس عندنا مع مرور الزمن بأن الأصل في القيام بالواجب في كل القطاعات خصوصا العمومية هو التقصير والتهاون استخفافا به  والاستثناء هو القيام به مع منه. ولهذا التقصير علامات دالة عليه تبدأ بالتلكؤ في الالتحاق بمقار العمل  يوميا في المواعيد الواجبة وجوب الفرض الديني، ذلك أنه كما أن عبادة الصلاة على سبيل المثال لا الحصر كتاب موقوت الشيء الذي يعني أن مواعيدها مضبوطة بدقة، فكذلك الوظائف والمهام عبارة عن كتاب موقوت حيث تحدد النصوص التشريعية والتنظيمية أوقاتها بداية وانتهاء بدقة وضبط . ومقابل التلكؤ في الالتحاق بالعمل نجد المغادرة المبكرة له قبل حلول مواعيد المغادرة.. وبين التلكؤ في الالتحاق أو التأخر وبين المغادرة قبل المواعيد يوجد التراخي في أداء الواجب، ذلك أنه عندما  تقاس الأنشطة المقدمة خلال زمن العمل الناقص بداية ونهاية  بالمقابل الذي يحصل عليه أصحابها نجد الفرق شاسعا والظلم صارخا والغش واضحا، ومن المهازل أن التوقيت المستمر صار له مفهوم غريب عندنا حيث تحولت  نصف ساعة أو ساعة الزوال المخصصة لتناول طعام الغذاء إلى شماعة لتبرير التملص من القيام بالواجب...  وعندما يلتمس الإنسان عندنا  أغلب الموظفين في القطاعات العمومية منتصف النهار يجد مقار عملهم شاغرة ، وإذا سأل عنهم تلقى أحد الجوابين : ” ذهبوا لتناول الغداء أو ذهبوا لأداء صلاة الظهر، أما عن صلاة الجمعة فانه صار لها توقيت آخر خارج التوقيت الشرعي المعروف. و إذا ما سولت لأحد نفسه أن ينتقد هذا الشعور بسبب ضياع مصلحته  أو حقه أو تأخرهما يواجه بالنقد اللاذع.. وهذا الفساد استشرى فينا  بسبب غياب المراقبة والمتابعة والمساءلة و المحاسبة. وفي بعض الإدارات قد يظل المسؤولون الكبار في مكاتبهم في حين  يهجر من تحت مسؤوليتهم  من صغار الموظفين مكاتب ومرافق هذه الإدارات دون أن يستطيع هؤلاء المسؤولين الكبار مجرد الاستفسار عن هذه المغادرة اليومية المتعمدة  للموظفين ، وعلى "عينك يا  بن عدي".. وقد يطوف بعض المسؤولين ملتمسين من تحت مسؤوليتهم من موظفين صغار في أماكن عملهم ، فلا يجدون أحدا منهم  حيث يجب أن يوجد ، ولكنهم في المقابل  لا يحركون ساكنا، ولا يفعلون مسطرة ، بل الويل لهم والثبور وعواقب الأمور  إن سولت لهم أنفسهم ذلك ، لأن  النقابات عندنا صارت  غيلانا بل "عيشة قنديشة ". وبمجرد تفكير المسؤولين في تقصير من تحت مسؤوليتهم في الواجب  يعتبر ذلك مساسا بهيبة النقابات، التي صار يصدق عليها المثل العامي " ما يقول حد غطي راسك آ سي القاضي".. وهكذا صار حال عدد من النقابات تعاين التقصير في الواجب لدى منخرطيها ،ومع ذلك  تتبنى  تقصيرهم وتحوله إلى نضالات وقضايا مشروعة بل عادلة، وحقوق وما هو إلا تقصير وباطل صارخ يقول ” أبي وأمي ” على حد تعبير المثل الشعبي  دلالة على افتضاحه  . ومع مرور الزمن صار التقصير في أداء الواجب مطلبا مشروعا لدى النقابات، ولا يختلف عن المطالبة بالزيادة في الأجور والترقيات وغير ذلك مما  يعد مطالب مشرعة. وصارت الإضرابات كزغاريد الحمقاء كما يقول المثل العامي ، وهي زغاريد لا نهاية لها بسبب الحمق .. ومع غياب المساءلة والمحاسبة والاقتطاع عن أيام الراحة والاستجمام، وعن ساعات التأخر والتلكؤ في الالتحاق بمقار العمل، و ساعات اللقمة والصلاة وما بعدها من سراح جميل،  يبدو كل من قام بواجبه المطلوب، والذي يلزمه  محسن صاحب خير وإحسان وفضل يستحق الشكر والثناء، بل يستحق المدح بالقصائد المطولة ، لأنه قام بواجبه مقابل تقصير غيره في أداء هذا الواجب. وقد لا يتوقف القائم بواجبه عن الامتنان  لمجرد أنه يقوم بما يلزمه وما يجب عليه، وكأنه بامتنانه  يريد القول : ” إنه بإمكاني أن أكون مع الأغلبية  المقصرة في أداء الواجب، ولم أفعل، لهذا يحق لي أن أمن على الإدارة قيامي بالواجب...وبهذا الوضع ظهر فينا الفساد واستشرى واستدعى ذلك ربيعنا، إلا أننا  ومع طول الخريف والتطبيع معه لم نحسن استقبال هذا الربيع الجميل، ومضينا في تفضيل الفساد على الصلاح والإصلاح. 
فهل أصبح الفساد  فعلا غولا على مجتمعنا المغربي لا يجرؤ أحد على بتر أواصره؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق