الأحد، 21 أكتوبر 2018

تحقيق صحفي: بنايات موقوفة التنفيذ وأخرى مهجورة في إقليم إفران ...استثمارات ملغومة لاتخدم مصالح السكان بالمنطقة؟

تحقيق صحفي:
بنايات موقوفة التنفيذ وأخرى مهجورة في إقليم إفران
...استثمارات ملغومة لاتخدم مصالح السكان بالمنطقة؟
*/*مدونة"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد*/*
يقف المواطن العادي بإقليم إفران موقف الحائر التائه وراء كل تلك الوعود والبرامج المعلنة في مناسبات عديدة منها الدورات العادية للمجالس المنتخبة أو اللقاءات التي تخصها عمالة إقليم إفران لعرض مشاريع برامج تنموية منها المكلفة ولكن للأسف كثيرا ما كانت تلك المشاريع المبرمجة أو المعلن عنها إلا برامج تسويقية إعلامية مجتمعية لا تظهر على ارض الواقع مما يفضي إلى أن القائمين على الشؤون المحلية أو الإقليمية همهم إشاعة الاهتمام بالتنمية المحلية ولو كانت مشاريع وهمية كما تم تسويقه خلال السنوات الأخيرة من مشاريع كبناء محطة طرقية جديدة في آزرو وسوق أسبوعي جديد وسوق الجملة للخضر...ووو..... هذا في وقت تم فيه الإعلان عن الشروع في تفعيل برمجة بعض المشاريع لم تسر حسب المعول عليه،  وعللت أسباب تأخير انطلاقتها لمصادفتها معارضة من ملاكي الأراضي التي تقتطع أجزاء منها لإقامة تلك المشاريع عليها... في حين خرجت مشاريع أخرى دشنت ورشاتها لكنها تطرح معها عدة تساؤلات في كيفية تنفيذها رغم ضخ أموال مهمة لكنها لاتزال إما موقوفة التنفيذ أو تسير سيرا حلزونيا روجت في شان تعثرها جملة من الأعذار إما خارجية مرتبطة بالمساطر الإدارية أو القانونية المعمول بها في عملية التنفيذ أو تدخل عدد من الشركاء والقطاعات الحكومية في تلك البرامج والمشاريع لتبقى مشاريع مشلولة خاصة في ظل البطء الملحوظ على أشغال بعضها مما جعل هذه الظاهرة تفقد الثقة لدى المواطن خصوصا وأن من بينها مشاريع مهيكلة تدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كالسوق المغطاة للباعة المتجولين في آزرو... فضلا عن مشاريع أو بنايات بالإقليم أصبحت أطلالا تعاني الخراب بسبب طول إغلاقها وإهمالها...
في تحقيقنا الصحفي هذا، سنقف على هذه الحالة الأخيرة من البنايات المهجورة على أن نعود لاحقا للتطرق لما تعرفه مشاريع أخرى موقوفة التنفيذ أو برامج قد تعود إلى خانة المشاريع كالورشة الموقوفة حاليا لبناء المسبح المغطى في آزرو.. مما يجعل السكان في إقليم إفران عموما وخاصة بمدينة آزرو تتعاظم معاناتهم مع مشاكل متعددة تشمل جميع مناحي الحياة العامة وارتكازا على مشاريع بنيوية تدخل ضمن مخططات التنمية بمجموعة من المشاريع الإستراتيجية... على أن الملاحظ أن مختلف المشاريع المبرمجة لم تسر في الطريق الصحيح وفق الأهداف المسطرة، بحيث لم يتم إلى حدود الآن تحفيز الإجراءات بهدف بلوغ الغايات المتوخاة منها طبقا للتعليمات الملكية.
إفران ليست فقط الفندق الفخم بقلب المدينة، الذي يقصده حكام أمتنا للراحة والاستجمام، أو للاجتماعات في إطار العمل، بل هو إقليم كبير ترابيا يحتوي على مدن وقرى ومداشر...
بإقليم إفران عموما هناك بنايات ضخمة صارت إلى اليوم أطلالا، تؤرخ لحقبة الاستعمار الفرنسي في إفران، التي تظل بنايات بلا مفعول مثل مستشفى ابن الصميم والكنيسة المسيحية بإفران، وحي العائلات الفرنسية بإفران المدنية، وبضع منازل بحي الرياض إفران، فضلا عن المستشفى المهجور بمدينة آزرو...
هذا الأخير الذي أذيعت في شأنه مؤخرا أخبار تقول أنه سيعوض بإحداث مركب تجاري ذي مساحة قدرها6000متر مربع، وأن المشروع المرتقب سينجز من طرف شركة العمران بالرقعة التي يتواجد عليها المستشفى المهجور وسط مدينة آزرو وبالضبط المحاذية للثانوية التأهيلية محمد الخامس... بناية تضم سوقا ممتازا على مساحة3000متر مربع، ومركزا للتسوق يضم ثمانين متجرا تتراوح مساحة المتجر الواحد منها ما بين20و50مترا مربعا، ومطعما ومقهى على امتداد1000متر مربع... وأن التكلفة الإجمالية لهذا المشروع تقدر بحوالي19ملايين من الدرهم... مشروع يقول واضعوه أنه سيمتد على مساحة23411متر مربع تتوفر بها فضاءات كموقف للسيارات، ومساحات خضراء، فيما ستخصص مساحة1000متر مربع أخرى لإحداث مرفق خاص بالأطفال حيث يحتوي على مساحات للترفيه.
نتناول هذا الموضوع في وقت كذلك سبق وأن تم تعميم رائجة أخرى بأن مستشفى بن الصميم المهجور قد يتحول إلى مركب سياحي باستثمارات مزدوجة بين مهتمين بالقطاع السياحي وطنيا وخليجيا؟ لكن ومع هذا كل تبقى هذه المآثر والبنايات المكلفة في حاجة ماسة إلى العناية بها، بدلا لما تتعرض له وبكل أسف من إهمال كبير... وكلما ارتفعت الأصوات المنددة إلا وخرج مهندسو الدوائر الإقليمية بجملة من المعطيات سعيا منهم إلى تكميم الأفواه بتقديم وعود وبرامج لتكون مسكنا للهواجس الممتعضة من هذه الوضعيات...
فتركيزا على موضوع مقالنا هذا، جدير بالإشارة إلى أنه في إفران وكل نواحيها هناك مواطنين يحتاجون إلى مستشفى بمعنى الكلمة وأطر طبية وأدوية وعلاجات، يطالبون فقط بترميم المستشفى المهجور ابن الصميم لا بالبناء.. إذ برأي المتتبعين والمهتمين للشؤون المحلية والإقليمية بهذه المنطقة يرون أن إصلاح بناية هذا المستشفى تستدعي فقط، ترميما خارجيا وداخليا، وإعادة تجهيزه بالمعدات والأجهزة الطبية والأطر الطبية المؤهلة، بالإضافة إلى إصلاح الطرق والمسالك المؤدية إليه والتي تركها المستعمر والتي لا زال إلى اليوم يستغلها أهل القرية في الترحال والتنقل من حال إلى حال.
وفي ورقة تعريفية وتقنية،  يذكر أن عشق الفرنسيين لمدينة إفران خلال حقبة الاستعمار، وانبهارهم بمؤهلاتها الطبيعية الخلابة، من أشجار الأرز، وغابات ووديان وعيون، جعلتهم يشبهون ويطلقون على عين فيتال إفران نفس تسمية عين فيتال جبال الألب الفرنسية... كما أنه من بين ما أثار انتباه المستعمر الفرنسي، خلال حقبة الأربعينيات الظروف المناخية المعتدلة ونقاء الأجواء بالمنطقة، وهي التي كانت الدافع الأساسي عند الفرنسيين إلى التفكير في الاستفادة، من هذا الكنز الطبيعي المتميز... هذا المناخ المتوسطي المعتدل والرطب الذي تمتاز به مدينة إفران، بفعل العامل التضاريسي لتواجدها على ارتفاع1630متر على سطح البحر، بالإضافة إلى احتوائها على مساحة جد مهمة من الغابات، اختاروا في منطقة غابوية، بالقرب من عين ابن الصميم، التي تبعد ب6كيلومترات على إفران المدينة و11كيلومتر عن آزرو، مستغلين ومستفيدين من الامتيازات الطبيعية والتضاريسية لإنشاء مستشفى للأمراض الصدرية والتنفسية... فأنشأت بناية شاهقة تتألف من ثمان طوابق، شيدت سنة1948على مساحة إجمالية تقدر بأربعين هكتار... بدأ الاشتغال بها سنة1954، بطاقة الاستعابية تصل إلى400سرير، بالإضافة إلى مرافق مختلفة (قاعة السينما، ملاعب)... مما جعله قبلة للحالات المصابة بالآمراض الصدريةوالتنفسية التي كانت تحل على المستشفى من كل أنحاء المغرب وحتى من خارج المغرب"فرنسا".. 
هذه البناية المهجورة والتي كانت في يوم من الأيام تعج بالحياة وكانت قبلة لكل مرضى السل حيث التداوي الطبيعي، ظل يشتغل في إطار استقلال إداري ومالي إلى حدود سنة1965، بعد هذه السنة ومباشرة بعد إسناد إدارته لوزارة الصحة المغربية وقتها وتكفلها بتدبيره بدأت المشاكل وبدأ بريقه وإشعاعه يذبل سنة بعد أخرى إلى أن تم إغلاقه بشكل رسمي سنة1973 .إذ لا يخفي سكان المنطقة تعلقهم بأمل أن يتحول المستشفىـ المعلمة- يوما ما إلى مركب سياحي يفك العزلة عن القرية ويفتح آفاقا للعمل، أمل طال انتظاره ولا يبدو أنه سيتحقق في القريب العاجل، مادام الغموض يلف إطاره القانوني وحقيقة ملكيته...
لقد كان المستشفى تحت الإدارة الفرنسية آنذاك وكان يستقبل مئات المرضى بالسل الذين كانوا يأتون من أوربا وكانوا يمضون فترات استشفاء ونقاهة وكان مقامهم هنا بمثابة رحلة سياحية أكثر منها استشفائية بالنظر ليس فقط لمكان تواجده الخلاب، بل أيضا للتجهيزات التي كانت تتوفر عليها البناية حيث كانت هناك قاعة سينمائية في الطوابق السفلية تحت الجبل وهناك فضاءات للتنزه وملاعب.
المستشفى، وبحسب المعطيات المتوفرة من أناس عاشوا المراحل الذهبية من عمره، أن يوم افتتاحه كان عرسا حقيقيا وكان الممر المؤدي إليه والأشجار المحيطة به توحي للواحد بأنه يتجول في جبال الألب أو في مكان ما من سويسرا لكثرة ما أحيط به من عناية هو ومحيطه.
ولعل الزائر للمستشفى المهجور ابن الصميم إفران سيقف على أن الشكل الهندسي للبناية التي لن يستمتع بمشاهدتها إلا إذا صعد إلى رأس الجبل قدوما من إفران... إنها بناية رغم كل هذا الإهمال ظلت شامخة تصارع الزمن، وكلما اقترب من البناية سيسمع أصوات الأبواب الداخلية، تغلق وتفتح لوحدها... هنا يمكن استحضار الأسطورة المتداولة في إفران حول سبب إغلاق المستشفى بصفة نهائية سنة1973، والذي تقول فيه الرواية: "أن سيدة كانت نزيلة المستشفى تتلقى علاجها، إذا بها ذات ليلة ، تأخذها الأشباح، لترمى بها عبر الأدراج ليجدونها ميتة!!"... هي رواية من بين الروايات المختلفة التي لن يصدقها عاقل...
كم تتداول الروايات "أن البناية بعد أن توقف العمل فيها كمستشفى داء السل كان يضم حوالي400سرير، وكان يشتغل فيه أربعة أطباء متخصصون تحت إشراف طبيب رئيسي واحد، ويساعدهم32ممرضا يقيمون في المكان نفسه.... أصبحت عبارة عن ثكنة عسكرية وأن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي عرفها المغرب بداية السبعينيات دبرت هناك وبالتالي أغلقت بصفة نهائية"!
بناية بهذا الحجم والرونق الهندسي، بما تصبغه عليها روعة المكان المتواجد بين قمة الجبل وبمحاذاة الغابة وعلى مقربة من عيون مياه بنصميم المشهورة بفعاليتها في المساعدة على الهضم، كل هذه الروعة والجمال وهذه المعلمة الفريدة تتعرض لكل هذا التخريب والإهمال...
تعددت تبريرات الإغلاق، منهم من ذهب بعيدا إلى حد ربط ذلك بكون المستشفى كان يعتبر مقرا لتجمع الانقلابيين وقتها، ومنهم من أرجع ذلك إلى سوء التسيير والتدبير الأمر الذي جعل منه عبء إضافيا على وزارة الصحة، ومنهم من اكتفى بالقول بأن مرضى السل ليسوا في حاجة إلى معازل الآن مع تطور وسائل وأدوات العلاج، كيفما كان تبرير الإغلاق فرائحة "المؤامرة" على ذلك تفوح من خلال كل هذه التبريرات التي يعتبرها الناس هنا واهية.
وبحسب شهادات البعض، فإن أحد المسؤولين بعد الإغلاق كان يرسل شاحنة وزارة الصحة وقتها وكانت تنقل ليلا التجهيزات الطبية وتتوجه إلى وجهة مجهولة، لتتوالى عمليات النهب بشكل يومي وفي وضح النهار أحيانا... فلم تسلم الأسرة ولا الكراسي، بل حتى أبواب المراحيض وصنابير المياه اقتلعت ليبقى عبارة عن خراب تخفيه أسوار البناية الفريدة.
استمرت عمليات النهب لسنوات وانتفض بعض الغيورين من الذين عاشوا مرحلته الذهبية من أجل إصلاحه وترميمه واستغلاله إما كمستشفى متعدد الخدمات، أو إلى مركز تعليمي أو تكويني، أو فندق سياحي، كل الاقتراحات تم رفضها وتم الإصرار على تركه على حالته.

فمن الواجهة، التي تزكي فرضية روعة ذوق الهندسة الفرنسية، إلى البوابة الرئيسة المحطمة، المغلقة ببضع سلاسل وأحجار تملأ الثقب، إلى النوافذ الخارجية المكسرة والمحطمة، والأصوات التي تكلمها الأبواب والنوافذ الداخلية، والتي توحي بحجم الضرر التي تتعرض له هذه البناية العتيقة، والضرر الذي يتعرض له إقليم إفران عموما جراء إغلاقه وعدم الاستفادة من خدماته، يبقى الشبح الوحيد بالمستشفى هو ذاك الذي أفرغه من معداته الطبية وأجهزته وأسرته، وخرج مسرعا تاركا النوافذ والأبواب مفتوحة خلفه، تتقاذفها الرياح، مما يجعل من السكان والزوار،يستحضرون فرضية الأرواح الشريرة.
إن إصلاح وترميم مستشفى ابن الصميم، وفتح أبوابه من جديد كمستشفى متعدد التخصصات، بإقليم إفران قد يجعل منه "أيقونة" قطاع الصحة في إقليم إفران والمغرب، ومن شأنه أن يحل العديد من المشاكل الصحية بالإقليم خصوصا في التخصصات التي تتطلب نقل المرضى إلى المستشفيات بمكناس أو فاس..
لا تمثل شيئا تلك المستشفيات التي شيدت من20غشت إلى المستشفى المتعدد التخصصات بآزرو، وصولا إلى مستوصفات الأحياء بإفران، لأن سواء الزوار والمقيمون لا يصادفون بعين المكان سوى أكشاك للصحة، أمام ما تمثله عظمة بناية مستشفى ابن الصميم ذو خصائص ومؤهلات مستشفى جامعي...
إن ترميم المستشفى سيضخ دماء الحياة في إقليم إفران، لتقريب الخدمات من المواطنين خصوصا في التخصصات التي تتطلب الهجرة واللجوء إلى المستشفيات الجامعية، ويفتح فرص شغل جديدة بين الأطر الطبية والممرضين المعطلين، والتقنيين والإداريين، وستنتعش الحركة الاقتصادية، بما في ذلك حركة النقل والسياحة الداخلية، وبالتالي إعطاء الانطلاقة الفعلية للاسم على المسمى "قيمة بلادنا" التي أثارها إعلامنا؟... إلا أنه وللأسف يلاحظ المهتمون والمتتبعون خاصة منهم السكان المعنيين بقيمة هذه البلاد، أن المستغلين والمستفيدين من هذه الوضعيات لم يكونوا سوى فئة البورجوازية المغربية، والمستثمرين المغاربة، وفئة المستثمرين والأمراء الخليجيين، احتضنت على شرفهم ابن الصميم مشروعا لاستغلال وتعبئة المياه المعدنية "عين ابن الصميم"، كما شهدت في الأشهر القليلة الماضية إقامة لعبة البورجوازية "الغولف"، التابعة للمجموعة السياحية للمكتب الوطني للسكك الحديدية، وغير بعيد من الغولف بكيلومترات بإفران تقام منشآت "مشروع القطري"، وغير بعيد من القطري، هناك المستثمر السعودي الذي يسهر على إقامة بنايات السكن الاقتصادي والاجتماعي "حدائق إفران"، وغير بعيد عن السعودي، هناك الكويتي الذي أقام مشروع "القرية السياحية".
هذه الوضعيات وما رافقتها من مواقف هي التي جعلت العديد من الأصوات من أبناء هذا الإقليم تردد في المجالس الخاصة والعامة القول:"واش هذي إفران المغربية ولا قلعة محسوبة على'*الخليج العربي*'؟؟".
ملحوظة: في ورقة إعلامية لاحقة سنتطرق لما عاشته وتعيشه الجماعات السلالية من مشاكل وهموم بلغت إلى درجة السطو على أراضي لذوي الحقوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق