الخميس، 30 أغسطس 2012


قضية و موقف//
هل نحن فعلا مجتمع يستعصى عن التصنيف؟
محمد عبيد (آزرو)
في خضم الربيع العربي الذي انتشر في ربوع الوطن العربي و ما عرفه من متغيرات و من مواقف لنبذ كل أساليب العبودية و الاغتناء و التسلط على المهام و المسؤوليات الجسيمة المسيئة للديمقراطية و للحياة الكريمة ، هبت على بلدنا المغرب ريح هذا الربيع لكن بالمفهوم السليم مادمنا نلمس انه ربيع ممزوج ب"الحشيش" و عندما نقول الحشيش ليس بما يعرف بالمستهلك من " المخدرات و الكيف التي تلعب بالعقول " الذي قد يستغرق وقتا محددا لاستفاقة مستهلكه و العمل على استرجاع جادة صوابه في الحياة، بل بأنواع النباتات الطفيلية التي تنتشر في الفدادين مزعزعة كل نبات ربيعي قح يتم تناوله إن تلقائيا آو طوعا إن لم يكن تحت غطاء الجشع فهو ملفوف مؤشر عليه ببصمة الطمع  لا يضر فقط بأحشاء مدمنه بل يتغلب و يترسخ في عقل هذا المدمن ل"تكليخه" فيما تبقى له من عمر في الحياة جراء تبعية عمياء لا مبادئ و لا أسس علمية موضوعية لها... فأضحينا نصادف ضمن هذا الحشيش المغربي عددا من "القشاوش" المنتفخة التي تجهد نفسها في أن تعانق جسد المجتمع الواعي و الفاعل ،" قشاوش" بمثابة عرائس من قصب لا تزال يافعة بعيدة كل البعد عن النضج إن فكريا أو سياسيا حتى يمكن أن تكون لوصفاتها الشائعة صفة العقلانية المدبرة لمجتمع رصين و واضح في أهدافه و مخططاتها في جل الميادين الحياتية بكل شفافية و مسؤولية..
فحين تحضر الأمية ويتغرب العلم، وحين يعطل العقل ويسفه المنطق، وحين يتصدر الغوغائيون ويغيب أهل الفكر، حينها يعيش مجتمع يحمل تلك الصفات على هامش التاريخ... فلا نقف على رأي مستقر قار سوى أن هذا المجتمع يستخدم في حياته اليومية أدوات بدائية، أدوات تعني بالأحكام والقوانين وعلاقات البشر بعضهم ببعض.
 هذا ما يصطلح بتسميته في علم الاجتماع بالمجتمع البسيط الذي يرضى بأقل القليل حتى لا يزلزل عرش جهله بعلم... مجتمع مثل هذا لن يسعى لفهم القوانين الطبيعية (التي هي من صنع الله و بعلم الله) التي يعيش تحت حكمها، بل هو يرضى بشروح تتماشى وعقليته البسيطة حتى لا يتصبب عرق الفهم والدراية والمعرفة...و بالتالي فهو ذاك المجتمع الذي يحقر كل عظيم، ويعظم كل تافه...لأنه يجد في التفاهة رابطا يربطه به وبأسلوب حياته.
في حين هناك مجتمع  آخر، مجتمع  منشغل ومشغول بالبحث عن الحكمة ليفهمها ومن ثم ليعيشها، مجتمع يرفض الشعوذة ويحتقر أصحابها، هو مجتمع يزدري الأفكار الوهمية والإدعاءات التي تناقضها الأفعال.. و هو ما يسمى بالمجتمع المركب أي المجتمع الذي يسري في عروقه وعروق أبنائه حب للعلم والمنطق الصحيحين وحب للبحث عن الحقيقة. الأمر الذي يجعل أفراده أغنياء سعداء في حياتهم...على نقيض المجتمع البسيط المتوهم بأنه يعيش حياة الأغنياء السعداء، والفاجعة هي أن المجتمع البسيط لا يدرك أنه أفقر المجتمعات وأتعسها...
إن حياتنا في المجتمع المغربي في خطر كبير لأنها لا تملك المبدأ الواضح... ليس لدينا ثقافة في هذا المجتمع ندافع عنها لاقتناعنا وتمرسنا بها، نحن نعوم مع التيارات كما تعوم السفينة من غير دفة ....مجتمعنا في حقيقته الثقافية مجتمع ممزق، وهذا طبيعي نسبيا،فالعديد من المجتمعات الإنسانية تعيش الآن حالة التمزق المتنوعة وبأقدار متفاوتة بسبب تداخل الثقافات بعضها بعضاً في عصر الاتصالات الالكترونية، لكن مجتمعات الغرب أكثر وضوحا في هويتها لأنها تقرأ ونحن أيضا نقرأ، ولكننا نقرأ كتب الطبخ، فهي الأكثر مبيعات وانتشارا في بلادنا... نحن لا تستهلك عندنا هذه الكتب، وإنما ستهلك كتب الطبخ وبالطبع مثلها كتب تفسير الأحلام وطب الأعشاب وكلها تخلق أمة لا تستطيع أن "تتحرك" من مكانها خصوصاً عندما تأكل الأعشاب وتحلم بالليل أنها تعيش في المراعي وتحتاج تفسيرا لأحلامها.....
من هنا يسقط التعليم في هوة غياب النظرية المجتمعية التي تستمد موجباتها وأهدافها من فلسفة المجتمع، ولا فلسفة محددة لدى المجتمع ومن هنا أيضا يسجل طيش موضوعات الثقافة العامة في المجتمع:"فما تدري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا"؟...
فهل تشفع الحالة السوسيولوجية للمجتمع في استمرار فساد الدولة ومؤسساتها في ظل قوانين وتشريعات ملزمة وشروط و مسلكيات التدبير وتحمل المسؤولية وما تقتضيه من آليات الحكامة والشفافية والمحاسبة؟ وهل يصلح الخطاب والأداء السياسي والإداري لعلاج هذه التركيبية خاصة عندما يمزج هو نفسه في وصفة هجينة بين السياسي والدعوي، وبين الأخلاقي والعقلاني، وبين الإصلاحي والمحافظ وذلك في نطاق الممارسة الديمقراطية التي من أولى شروطها الاضطلاع بالمسؤولية وإبداع الحلول أو إعلان العجز وتبرئة الذمة وتقديم الاستقالة؟ تركيبة المجتمع المغربي، حيث إنه في إطار بحثه في قضايا الهوية ونمط العيش وبنية التفكير والسلوكات والممارسات الاجتماعية التي تميز الفرد والمجتمع اهتدى السوسيولوجي إلى صفة "المجتمع المركب" للاستدلال على تلك الحالة من التداخل والتناقض والتشابك المعقد لأنماط مختلفة من الثقافات والأنماط الاجتماعية داخل المجتمع المغربي الذي يستعصى عن التصنيف...
فتجاور الأنساق المختلفة وتشابك التشكيلات الاجتماعية المتباينة، وتداخل أنماط تفكير متناقضة كالمقدس والمدنس والعقلاني والأسطوري والتقليد والحديث...ليس فقط تمظهرات لحالة اجتماعية عابرة أو لخلل مؤسساتي طارئ أو سلوكات معزولة وبنية هامشية، بل هي نمط التشكل الاجتماعي الغالب الذي صار مع تجدد تركيبيته وإعادة إنتاجها واستمرارها خاصية تميز المجتمع ومؤسساته...إن تنميط الأفراد فكرا وسلوكا، هو حاجة مرتبطة بمجتمع فهو في حاجة إلى التطور ليتحول وعي أفراده القائم على الاختلاف، والاختلاف الواعي يولد بدائل فكرية وفلسفية تتحد في الأهداف والغايات، لأن المجتمع ليس مؤقتا بل مستمرا واحدا في الغايات والمصير بعيدا عن ممارسات منحرفة لطالما كانت غريبة عليه..مادامت المسائل الرئيسة التي تشغل الأجيال الحاضرة مسألة دمج القومية وصهرها في الصيغة والمظهر الإنسانيين، بشكل عام  تزول معها التناقضاتُ الداخلية والخارجية في "غيريَّة"-altruisme- خلاقة .
ولئن كان لي ختاما أن أكشف عن منزلق العثرة – حبرًا على ورق – في وضعها الوجودي العميق، لعدت إلى ذلك الحكيم الذي قال لنا يومًا:"يعتقد بعضهم أو يتصور أن الأنانية يمكن لها أن تضمحل في نفسه فيما لو انتقل مركزُها أو محورُها من الـ"الأنا" الفردية إلى جماعة محدودة أو غير محدودة، كالوطن أو البشرية، فيعمل الإنسان مدفوعًا بالشعور الوطني، ويخدم بلاده ويضحِّي في سبيل وطنه، وهو في الحقيقة لا يعمل ولا يضحِّي إلا لنفسه. فبدلاً من أن تكون الـ"أنا" الظاهرة الفردية هي التي يخدم ويضحِّي من أجلها، فإنه يخدم الـ"أنا" الكبرى – ونعني الأنا الاجتماعية – ويعطيها من عنده ومن نفسه. فأنانيته الخاصة تحيط بالمجتمع بكامله بشكل يتماها فيه مع الاجتماعي تماهيًا تامًّا."
ومن الطبيعي أن مثل هذا الموقف في التصرف ومثل هذه الأنانية الجماعية أفضل وأسمى من الأنانية الفردية الصغيرة، لكن الأنانية الظاهرة تبقى ماثلة؛ تلك الأنانية لا مفرَّ لنا من التخلص منها لبلوغ الحرية الداخلية الحقيقية الكاملة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق