الخميس، 26 يوليو 2012


الأخلاق و ما بقيت

محمد عبيد (آزرو)
قيمة أي إنسان في خُلُقه، حيث لا أخلاق فإنه لا ذكر لمعاني الإنسان وقيمه، فالتفريق بين الإنسان والمخلوقات الأخرى ترتبط بهبة العقل وسلوك الخلق، فالخُلق يشمل كل فضيلة قيمية من عدل وشجاعة وكرم ونزاهة وصبر و صفح وغيرها، ولعل دين المسلم كله هو خُلقه، فهو في مواضع كثيرة - أي الخلق - يسمو على الصائم والعابد القائم، ولهذا يميل البشر نحو كل ذي خلق ويفضلونه حتى لو كان غيره يفوقه في أشياء كثيرة.. والكثير من الناس يذهب بعيدا من أجل اقتناء حاجياته على بائع متخلق بشوش يمتاز بحسن المعاملة دون أن يأخذها من آخر تاجر فض أخلاقه سيئة حتى لو كان هذا التاجر يعتبر أحد الجيران.
فالخُلق أساس الثقة وأساس الاستمرارية بل هو أساس التحضر والحضارة، لأن لا حضارة بدون خلق. ولاشك أن سوء الخلق يساوي التخلف والجهل (لا أقول الأمية) والانحدار..، ولكم أتمنى أن يقوم العالم بتجربة القرن أو الكون بأن ينتقل سكان الجنوب من مغاربة وجزائريين وسينغالين وكينيين.. إلى أوروبا ويسكن الأوربي القارة الإفريقية، لأنها في ظني ستكون تجربة الكون والتاريخ والبشرية، بل ستكون صدمة كونية تتحول فيها أوروبا للجنوب وتصير فيها أوروبا زبالة العالم تملؤها الحروب والصراعات والفقر والجوع كما هو الحال في إفريقيا. فالراجح أن هذا الافتراض هو الاحتمال المتوقع، لأن السنن الكونية لا تحابي أحدا، باعتبار ثالوث البناء والتطور من عمل وأخلاق وعدل لصيق بمنطق الازدهار والرخاء، فالمسألة ليست أمكنة أو أزمنة، وليست مرتبطة بتغيير للقارات أو تغيير عرق أو حتى لغة، بل مسألة مرتبطة بالإنسان كإنسان.
ما تزخر بهما اليوم اليابان وأوروبا ما هو إلا نتيجة حتمية ومنطقية للعدل والمعرفة والخُلق. وأرض اليابان أو أرض ألمانيا لا تلد ديمقراطية ولا تلد تطورا ولا حضارة، فاليابان تنجب الزلازل وألمانيا بلد الصقيع والثلوج. لهذا لا يمكن لشعب بدون أخلاقه أن يصل ما وصلت إليه الشعوب المتحضرة سواء في القدم أو في العصر الحديث. لأن التاريخ يُظهر أن أغلبها اندحروا بسبب تخليهم عن تلك القيم.
ولا أحد ينكر ما قد يفعله سحر الخُلُق في التفوق على ما يتصف بالصلابة والشدة، إذ أن الأخلاق أدخلت أقواما للإسلام ما لم يصنعه جبروت السيف والغزو، وهذا يجعل المسلم متميزا عن كافة البشر بخلقه في تعاونه وتآخيه وصبره وعمله الصالح حيث يكون سلوكه موجها للحياة بدون استثناء في كل صغيرة وكبيرة. ولطالما كانت المعرفة تمد الناس بالوعي ولكن الأخلاق ترفع من قدرهم، بل إنها قد ترغم فيه الأعداء على فرض الهيبة والاحترام، مثل ما فعل صلاح الدين الأيوبي مع قلب الأسد وعمر ابن الخطاب مع أقباط مصر...
أليست هذه الأخلاق العابرة للقلوب في أرجاء العالم سببا في سمعة المسلمين آنذاك، نحتاج الآن إحياءها من جديد كأقوى سلاح عرفه التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق