البوابة الإلكترونية"فضاء الأطلس المتوسط"/آزرو-محمد عبيد
كثيرا ما استعمل عدد منا في كلامه أو في بعض رسائله التظلمية عبارة:"دولة الحق والقانون".. كم هي جميلة هاته العبارة حين تنطق بها لتشعرنا ببعض الدفء قبل الثقة في أننا سنهتدي إلى إقرار حقنا تحت مظلة القانون... لكن كم تكون خيبتنا عظيمة حين يطول انتظار الوقوف على حقيقة هاته العبارة ومصداقيتها ميدانيا وعمليا لمّا تتعرض تلك العبارة في أحسن الأحوال إلى الحفظ قبل أن نقول إلى رميها في سلة المهملات من قبل متلقيها؟؟؟؟؟؟؟؟ في مختلف مواقعهم الإدارية أو التشريعية أو حتى العدلية أحيانا؟؟؟؟؟ وفي بعض الأحيان نسمع العبارة (القانون أعمى) أو بعضهم يقول (القانون حمار) ونحن بحاجة لشخص ماهر ليوجهنا وليوصلنا سالمين إلى مقصدنا...هل هذه العبارة صحيحة بنسبة كبيرة تفوق الثلثين أم أننا سرنا وراء أقاويل بعضهم فقط؟.. ونجد أنفسنا بالتالي أمام وضع لانحسد عليه للتمعن في واقع حياتنا اليومية بكل جلاء وضوح لنقر في أنفسنا أن هاته العبارة لا تعني العموم بل هي ذات تفعيل لحالات استثنائية بل محظوظة حتى أن بعض المعلقين عليها فسروا أننا فعلا في دولة الحق: هذا الحق للنخب في كل شيء يصبون إليه، و أننا فعلا نخضع للقانون- قانون فقط على الضعفاء منا ليكشر عن أنيابه بلا رحمة ضدنا نحن البسطاء فقط...حتى أضحينا نرى أن البلاد أصبحت مستباحة لأناس ومحرمة على آخرين، أناس محظوظون وهم من يعيثون في البلاد فسادا جهارا نهارا واجتهدوا قبل أن أقول استبدوا وسعوا إلى تكميم أفواه كل من نطق وكتب بشفافية عن أفعالهم التي تخالف شرع الله والقانون في كل ركن من أركان البلاد، وأصبحوا كالأباطرة يسرحون ويمرحون بأموال الشعب المظلوم..مهمتهم قهر النساء وذل الضعفاء واغتصاب القصر والأطفال!! والمقابل ۥيدفع لهم من عرق ودم الشعب المقهور والصامت.. جرائم يندي لها الجبين لم يسمع بها في أوساط مجتمعنا المسالم، ولم تتداولها محاكم البلد ولم يكتب عنها في صحفنا اليومية.. أصبحت اليوم هي حديث الساعة! وفي كل يوم تسمع ما يفوق حد الاستيعاب والتصور!! من جرائم غريبة ودخيلة على الوطن.. إذا دققنا في واقعنا جيدا فسنجد أن استقامة المواطن تتوزع على ثلاث دوائر، واحدة تتعلق بأخلاقه الخاصة وفضائله كإنسان مهذب أو منافق أو كذوب أو غير ذلك... و واحدة تتعلق بأخلاقه المهنية التي تختلف بأخلاق المهنة أو الحرفة، وثالثة وثيقة الصلة بسلوكياته كمواطن، وهذه السلوكيات تتراوح بين التزامه بالقانون واحترامه للنظام العام، وبين انتظار دوره فى الطابور وعدم إلقائه للقمامة في الشارع، والمواطن الصالح حقا هو من تتكامل عنده هذه الدوائر التي تشكل أركان فكرة"الاستقامة". والمشكلة عندنا تكمن في أننا نفصل فيما بينها ولا نقيم وزنا لتكامله.... فعلى سبيل المثال الحكومة التى لا تفي ببرامجها الإصلاحية لا تعاقب من طرف القضاء الذي يسهر سوى على نزاهة الانتخابات، وكبار المسئولين الذين يتربحون من وظائفهم أو تثبت بحقهم انحرافات أخرى يظلون في مواقعهم. ولا أحد يدرك أن من شأن ذلك تغييب النموذج الذي يجسد فكرة الاستقامة عند الناس، ليس ذلك فحسب وإنما يتحول المنحرف بمضي الوقت إلى بؤرة لإشاعة الانحراف والفساد في المجتمع، وما نشاهد عن البرلمانيين في جلساتهم لا يمت بصلة لأخلاق مهنية أو أخلاق المواطنة، لأنها خالية من اللمسات الإصلاحية ولا علاقة لها بالمنافسات السياسية.
كيف يسمح القانون ( وهو مصاب بأعمى البصر والبصيرة ) للمحظوظين المتجبرين أن يتجاوزه و يعفو عن مجرم اغتصب طالبة و ثبتت عليه الجريمة القذرة؟ و متلبس باختلاس المال ؟ أن يعفو عنه؟ و المتورط في جرائم الصفقات العمومية ؟ أن يحفظ ملفه؟ و مثير الفوضى والشغب في الإدارات العمومية قبل المجالات والفضاءات العمومية؟ أن يعفو عنه؟..لأي دين وشريعة يتبعون هؤلاء القوم الظالمين؟ ومتى يصحا رجال الدين والقانون من غفوتهم في بلدنا الذي أصبح القوي يغلب فيه الضعيف !! جولة في بعض شوارع وطرق مدن وقرى بلدنا التي تشبه كثيرا ديمقراطيتنا السياسية المليئة بالمطتبات المختلفة، ستجعلنا نطالب بإحياء بعض نصوص شريعة حمو رابي وتطبيقها حرفيا فيما يخص بعض المقاولين وبعض رجال الإدارة الموكولة إليهم مسؤولية رقابة المشاريع والمنشآت الخاصة والعامة.. فحين نعاين مثلا طرق بلدنا نجد دائما مطتبات مختلفة، مطتبات وحفر أرخت لعبث المقاولين في فترات وتواريخ مختلفة، مطتبات وحفر لا أحد يقترب منها لإصلاحها وكأن مصلحة حفظ الآثار في البلد قد استولت عليها باعتبارها من الآثار الخالدة التي لا ينبغي إصلاحها، لتبقى كإرث تاريخي متوارث لدى الأجيال لا ينبغي المساس به مهما كسرت أو أعطبت من هياكل عربات، وشاحنات ،ودراجات.. ومهما سببت في حوادث سير كثيرة مميتة تقشعر لها الأبدان.. وكلنا نسمع كل يوم عن حوادث حرب الطرقات التي تحصد تقريبا نفس الأعداد من الأرواح التي تحصدها الحروب والنزاعات المسلحة، فليس العامل البشري وحده هو المسؤول كما يدعي البعض الذين يسعون إلى حجب الشمس بالغربال.. وهذا مطب آخر حديث العهد تم إنشاؤه في طريق حي شعبي بسرعة لأسباب انتخابية، مطتب أشبه ببحيرة تتجمع فيه مياه الأمطار والمياه العادمة وصار مرتعا للضفادع وشكل بيئة خصبة لجلب كل أنواع الحشرات والناموس.. مطتبات كثيرة وجدت لأن الكثير من المقاولين ببساطة لا ضمير أخلاقي ولا ديني لهم،.. وحين ترى تلك المطتبات بأنواعها المختلفة تتساءل :"هل تلك المطتبات فعلا موجودة في الطرق أم في أذهان المقاولين الذين أنشأوا تلك الطرقات؟"، لا أحد يحاسب أحد، ولا حكامة جيدة في هذا البلد، وهذا ما جعل الكثير من المقاولين اليوم يشعرون بالرضا التام والسعادة الغامرة.
لا أجد أي ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻮد ﻋﺪدا ﻣﻦ القطاعات والمجالات العمومية، أرى ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟبيئة الاجتماعية اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﻠﻰ ﻓﺮض واﻗﻊ اﻟﺴﻠﻮﻛﯿﺎت اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ... ﻓﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ واﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﺴﯿﺮة ﻟﺤﯿﺎة اﻟﻨﺎس وﻣﻌﺎﺷﮭﻢ، ﻛﺘﺒﺖ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ و ﺗﻔﺼﯿﻞ، ﺑﯿﺪ أﻧﮭﺎ أودﻋﺖ اﻷدراج، وﻇﻠﺖ ﺣﺒﯿﺴﺔ اﻟﻤﺠﻠﺪات، أو ﻟﻢ ﯾﺘﻢ ﺗﻔﻌﯿﻠﮭﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﯾﻔﺮض اﺣﺘﺮاﻣﮭﺎ وﯾﻀﻤﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ أداﺋﮭﺎ ﻓﻲ المجتمع.
ﻓﺒﻌﺾ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺤﯿﺎﺗﯿﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺴﻠﻮﻛﯿﺎت اﻟﻨﺎس اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ، ﯾﺘﻢ اﺧﺘﺮاﻗﮭﺎ وﺗﺠﺎھﻠﮭﺎ ﻣﻤﻦ ﯾﻜﺮﺳﻮن ﺛﻘﺎﻓﺔ "أﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﻘﺎﻧﻮن"، ﻓﯿﺰﻋﻤﻮن أن اﻷﻧﻈﻤﺔ أداة ﻟﻘﻤﻊ اﻵﺧﺮﯾﻦ، وإﻇﮭﺎر اﻟﻔﻮارق ﺑﯿﻦ أﻃﯿﺎف اﻟﻨﺎس. وﻷن ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮاﻧﯿن "ﺿﺒﺎﺑﯿﺔ" اﻟﻮﺻﻒ، اﺧﺘﺮﻗﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺘﻨﻔﺬﯾﻦ ﻟﺼﺎﻟﺤﮭﻢ وﻣﻦ ﯾﺤﺒﻮن، وﻧﻔﺬوا ﺑﻌﺾ ﺑﻨﻮدھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أرادوا، ﺛﻢ أﻓﻠﺘﻮا ﺑﻔﻌﻠﺘﮭﻢ ﻣﻦ ﻋﯿﻦ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺨﺠﻮﻟﺔ، ﻓﺘﺄﻛﺪ ﻟﺪى ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺳﻠﻄﺔ اﻷﻓﺮاد، وﺗﻌﺰزت ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﮭﻢ ﺑﻤﺒﺪأ "اﻟﻮاﺳﻄﺔ" ﻓﻲ ﺑﯿﺌﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺧﺎﻣﻠﺔ، ﺗﺮھﻠﺖ أﻧﻈﻤﺘﮭﺎ، وﻟﻢ ﺗﺘﺮك ﻟﻺﺑﺪاع ﻣﺘﻨﻔﺴﺎ.
ﻓﻠﯿﺲ ﺑﻤﺴﺘﻐﺮب إذن، أن ﯾﻘﻮم ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺑـ"ﺗﺤﺪي" اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﺮورﯾﺔ ﻓﻲ وﺿﺢ اﻟﻨﮭﺎر، ورﻣﻲ اﻟﻨﻔﺎﯾﺎت ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻄﺮﯾﻖ، وإﺳﺎءة اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ، وإھﻤﺎل ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮭﻢ اﻟﻮﻇﯿﻔﯿﺔ، ﻓﺘﻠﻚ ردة ﻓﻌﻞ ﺳﻠﻮﻛﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻹدارﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻻﻧﺘﻘﺎء أﺳﻠﻮﺑﺎ، وﺗﻌﺒﯿﺮا ﻋﻦ ﺳﺨﻄﮭﻢ ﻓﻲ ﺻﻮرة أﺷﺒﮫ ﺑﺎﻟﺘﺸﻔﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻌﻘﺪ أﻓﺮزھﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻧﻔﺴﮫ، ﺿﺤﯿﺘﮭﺎ أﻓﺮاده، ﻣﻦ اﻟﺘﺰم ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم وﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻠﺘﺰم...فلْيحيى القانون الأعمى!!!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق