قضية و موقف//
بين المسؤولية و العبث
تواترت قبل أسابيع قصاصة خبر في صحائف إلكترونية وجرائد ورقية بالمغرب، مفادها أن "مجموعة غيورة على بلادها" وسمت نفسها بـ"اللجن الشعبية"، وهدفها محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة.
ويلاحظ أن الهدف الذي تأسست لأجله هذه "اللجن الشعبية" هو مكافحة "انتشار الخمور والمخدرات والدعارة".
حسب القصاصة، وهذا يعني أن "المجموعة الغيورة على بلادها" تنطلق في تأسيسها لهذه "اللجن الشعبية" من منطلق المجتمع الديني الذي تنتمي إليه "الأمة الإسلامية" في ظل الدولة الحديثة و"حكومة الإسلاميين".
"اللجن الشعبية" هيكلة تنظيمية تأسست لأول مرة في القرن العشرين في أول دولة منظَّمةٍ تحمل المرجعية الاشتراكية المؤسسة على المبادئ المستمدة من الفكر الشيوعي في "الاتحاد السوفييتي"، وقد أخذت بهذه الهيكلة مجموعة من الدول، وتأثر بها حكيم "النموذج الثالث" الذي اعتبر نفسه بديلا عن النموذجين الاشتراكي والرأسمالي في تنظيم الحياة العامة بالبلاد.
"القذافي" هو أول عربي يعتمد "اللجن الشعبية" في هيكلة تنظيم الدولة، وقد اعتمد الشعبان التونسي والمصري على هذه الهيكلة في تنظيم عملية إعادة استتباب الأمن المنهار بعد إسقاط النظام في البلدين في السنة الماضية.
"اللجن الشعبية" هيكلة يمكن طرحُها في الدول الليبرالية حال انعدام قيام الدولة بدورها في وضع سياسة أمنية واضحة وتفعيلها من أجل رفع التسيب الحاصل في البلاد في مرحلة الضعف كما هو الشأن بالنسبة لما وقع في تونس ومصر.
وهذا يعني أن تأسيسها في المغرب يطرح إشكالية قوية مفادها أن مجموعة مجتمعية سوف تقوم بالنيابة عن الدولة في تنفيذ مقتضيات قوانين ما أو الالتزام بضبط القوانين والتشريعات المنظمة في البلاد، وهذا يعتبر خطيرا جدا.
"الحكومة المغربية" لم تبادر إلى اتخاذ أي موقف من "اللجن الشعبية" المطروحة للحفاظ على النظام العام و"محاربة الدعارة" والتطرف والإرهاب و"مكافحة المشروبات الكحولية"، واكتفتْ بمراقبة الوضع عن بعدٍ، في حين أصدرت رئاسة الحكومة بيانا شديد اللهجة بخصوص "أحداث تازة" مؤكدة على فتحها للتحقيق في تداعياتها والمزايدات الإعلامية المثارة حولها.
صحيحٌ أن وسائل الإعلام إلكترونيَّها وورقيَّها تعاملت مع "أحداث تازة" بنوع من التضخيم المبالَغِ فيه والمَشوب في بعضها بالاختلاق أحيانا؛ لأن الحديث عن استعمال "الرصاص الحي" من لدن قوات الأمن في مواجهة المتظاهرين ليس إلا وسيلة لتضخيم الملف والركوب عليه من لدن البعض كما هو الشأن بالنسبة لإشارة قناتين إعلاميتين دوليتين إلى تهديد 72 من حملة الشهادات العليا غير المُدْمَجين في الوظيفة بإحراق الجسد في اليوم الموالي لإحراق الشاب "زيدون" ورفاقه الثلاثة أجسادهم.
صحيحٌ أن بعض وسائل الإعلام وطنيا أو دوليا قد تقوم بتضخيم خبر ما أو بزيادة فيه أو تحجيم لحاجة في أنفس بعض الجهات، وإذا كان هذا الأمر يستدعي إدانة رسمية من لدن "الحكومة المغربية" فإن عملية تأسيس "اللجن الشعبية" يُعَدُّ تطاولا أكبر على الدولة لحاجة في أنفس بعض الأطراف، وهو أولى بالإدانة لأنه أشدُّ وطأَ وأعتى شرارة.
"اللجن الشعبية لمحاربة الدعارة"( كما يروج تواجدها في قرية عين اللوح إقليم إفران ) أو "لمحاربة الرشوة" أو "البطالة" مثلا، افتتات على الشعب المغربي و"الحكومة المغربية" معا،لأن فيه تنصيبا لِلَجَنٍ أو مؤسسات غير قانونية للقيام بدور الدولة فيما يلزمها القيام به سواء تعلق الأمر بتخليق الحياة العامة أو الحفاظ على الأمن العام أو صيانة الحقوق والممتلكات أو غير ذلك مما يمكن للمجتمع المدني التدخل فيه في إطار الجمعيات المعتمدة والمرخَّصِ لها قانونيا.
وإذا كان الشعب المغربي قد أدلى بصوته في الـ25 من نوفمبر الماضي لانتخاب ممثلين له في مجلس النواب، فإن هؤلاء الممثلين هم من له الحق في الإلحاح على "الحكومة المغربية" من أجل تخليق الحياة العامة والحفاظ على الأمن وصيانة الحقوق والممتلكات وإيجاد حلول جذرية للمشاكل الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ممثلو الشعب المغربي ليسوا مطالبين فقط بالإلحاح على "الحكومة المغربية" فيما سلف، بل هم معنيون باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيجاد الحلول المشار إليها من خلال القيام بدور الوسيط بين الشعب والحكومة من جهة والقيام بدور ربط المسؤولية الحكومية بمقاربة "المساءلة" التي تحدث عنها "ابن كيران" غير ما مرة في تصريحاته.
الشعب المغربي يجب عليه أن ينخرط في "محاربة الفساد"، لكن ذلك لا يعني تأسيس "لجن شعبية" أو هياكل تنظيمية تنوب عن "الحكومة المغربية" أو تعتبرها منعدمة، وانخراط الشعب في "محاربة الفساد" ينطلق أساسا من "محاربة الفساد" ذاتيا.
وفي "محاربة الفساد" ذاتيا بقية من كلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق